كتاب مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

وفكرة تحمل هذه الصفة: هي دائماً فكرة خانت نماذجها المثالية. ويرتد المرض على المجتمع الذي يتحمل نتائج كلّ انحراف يمسّ عالمه الثقافي. وأحياناً تُحدث الفكرة المخذولة ردة فعلها في نهاية الأمر عندما يُكتشف زيفُها.
ففي اليوم الذي أغرق فيه عمر بن الخطاب بالضحك حينما برّحه الجوع؛ فالتهم صنمه الذي صنعه من السكر، كان ذلك إشارة إلى أن عالمه الثقافي الجاهلي قد أضحى في خطر. والواقع أنه كان يتحتم على نماذجه المثالية أن تسرع إلى نهايتها مع أصنام الكعبة يوم فتح مكة في السنة السادسة للهجرة، ليحلّ محلها عالمٌ ثقافيٌّ جديد ومجتمع جديد. إن التنكر لنموذج مثاليٍّ يمكن له أن يتخذ دلالةً أخرى، وأن تكون له نتائج أكثر خطورة على المجتمع.
والخطورة الأشدّ لهذا التنكر في نتائجه يمكن أن تكون في عالمنا الثقافي الأساسي، أو في عالم ثقافي آخر استعيرت منه الفكرة المخذولة.
والمجتمع الإسلامي هو بالتحديد، في هذه اللحظة، في مواجهة المشكلة في وجهيها، إنه يعاني من انتقام النماذج المثالية لعالمه الثقافي الخاص به من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى لانتقام رهيب تصبه الأفكار التي استعارها من أوربة؛ دون أن يراعي الشروط التي تحفط قيمتها الاجتماعية، وقد أورث ذلك تدهوراً في قيمة الأفكار الموروثة، وتدهوراً في قيمة الأفكار المكتَسبة، وقد حملا أفدح الضرر في نموّ العالم الإسلامي أخلاقياً ومادياً.
وإن هذه هي النتائج الاجتماعية لذلك التدهور والتي نصادفها يومياً في صورة غياب لكل فعالية، وقصور في مختلف أنشطتنا الاجتماعية.
فمن ناحية فإنّ الأفكار التي أثبتت فعاليتها في بناء الحضارة الإسلامية منذ ألف عام تبدو اليوم عديمة الفعالية؛ لقد فقدت التصاقها بالواقع.

الصفحة 159