كتاب مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

والسياسي؛ عندما يزعم البعض أنه استناداً إلى مثل هذه المقدمات يمكن طرح مشكلات البلاد المتخلفة وإيجاد الحلول لها.
وقد يَستغلُّ هذا اللَّبْسَ أحياناً المتخصصون في الصراع الفكري؛ عندما يتولون هم أنفسهم أو يكلفون أحد تلاميذهم محاولة إقناعنا في قياسٍ منطقيٍ خاطئٍ بفشل الإسلام في بناء مجتمع متقدم (¬1).
ولكي نزيل هذا اللبس نقول: بأن مجتمع ما بعد التحضر ليس مجتمعاً يقف مكانه، بل هو يتقهقر إلى الوراء بعد أن هجر درب حضارته وقطع صلته بها.
ولم تفت ملاحظة هذه الظاهرة أحد المؤرخين فوصفها في أسىً بقوله: ((وكأني بالمشرق (الإسلامي) قد نزل به ما قد نزل بالمغرب، ولكن على مقدار ونسبة عمرانه وكأنما لسان الكون ينادي في العالم بالنوم والخمول، فأجاب)).
إنّه ابن خلدون الذي دوّن بعد قرن من سقوط بغداد وقبل قرن من سقوط غرناطة هذه النقطة الخاصة بانفصام دورة الحضارة الإسلامية؛ النقطة التي ابتدأ منها عصر ما بعد الموحِّدين، أي عصر التخلُّف الحضاريِّ في العالم الإسلاميّ.
وبتتبعنا لسيرة هذا المجتمع منذ نشأته التاريخيَّة المحددة بالتقويم الهجريّ يمكن تكوين فكرة عن المراحل التي اجتازتها ودلالتها النفسية- الاجتماعية.
في الأصل كان مجتمعاً قبلياً صغيراً، يعيش في شبه الجزيرة العربية، وفي عالم ثقافي محدود، حيث كانت المعتقدات نفسها تتمحور حول أشياء لا حياة فيها، إنها أوثان الجاهلية.
فالبيئة الجاهلية تمثل أصدق تمثيل مجتمعاً هو في عمر (الشيء)، ويجب أن
¬__________
(¬1) يعتقد المؤلف أن لا ضرورة للتركيز على هذه النقطة التي قام بتحليلها في دراسته تحت عنوان (انتاج المستشرقين وأثره على الفكر الإسلاميِّ الحديث).

الصفحة 38