كتاب مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

استلهامها لتلك النماذج، أصاب الخلل المسيرة وجَمَح بها ظهْرُ التاريخ فأصبحت شروداً تغالي في الانحراف.
((فالفكر الغربي يجنح على ما يبدو أساساً إلى الدوران حول مفهوم الوزن والكم، وهو عندما ينحرف نحو المغالاة يصل حتماً إلى الماديَّة في شكليها: الشكل البورجوازي للمجتمع الاستهلاكي، والشكل الجدلي للمجتمع السوفياتي.
وحينما يكون الفكر الإسلامي في أفوله كما هو شأنه اليوم، فإن المغالاة تدفعه إلى التصوف والمبهم والغامض وعدم الدقة والتقليد الأعمى والافتتان بأشياء الغرب)).
غير أن هذه النتيجة ليست هي المدار الأصلي في اندفاع الحضارة الإسلامية، كما وضعها القرآن الكريم. فالإسلام دفع الرؤية الغيبيّة في إطار الحياةِ لِتوثيق الروابط الاجتماعية وتمحورها حول فكرة الخيْر، التي يجب أن تُقارِنَ كُلَّ قواها وكل فعل. وهذا ما يعطي للرابط الاجتماعي النابع من الفكر الإسلامي طابعاً خاصاً يجعل وجود ما يسمى ((التناقضات في وسط الجماهير ظاهرة غير قابلة للتفسير في المجتمع الإسلامي ".
فلكي ندرك واقع المجتمع الإسلامي المعاصر علينا أن نحدد مرحلته التاريخية وموقعه من دورة الحضارة. وهذا ما فات الكتّاب الغربيين الذين يجهلون لحظات انبثاق الحضارة وَسكَرات أفولها.
فهناك مرحلة يكون المجتمع فيها بدائياً فقير الوسائل، فإذا ما أدركته فكرة جوهرية تستقطب روحه، اندمج في دورة التاريخ واندفع جهده اليومي نحو مثل أعلى يجعل لأفكار هـ دوراً وظيفياً ((لأن الحضارة هي القدرة على القيام بوظيفة أو مهمة معيّنة)) وهناك مرحلة يخرج فيها المجتمع من دورة الحضارة، ويصبح ما بعد الحضارة مُثْقَلاً بديون خَلَّفتها عصور حضارته السابقة، وهي

الصفحة 8