كتاب التوهم في وصف أحوال الآخرة

الذي جمعهم بعد طول البلاء، واختلاف خلقهم وطبائعهم، وتوحش بعضهم من بعض، قد أذلهم البعث وجمع بينهم النشور.
حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامها، واستووا جميعاً في موقف العرض والحساب، تناثرت (¬1)
نجوم السماء من فوقهم، وطمست الشمس والقمر، وأظلمت الأرض بخمود سراجها وإطفاء نورها. فبينا أنت والخلائق على ذلك إذ صارت السماء الدنيا من فوقهم، فدارت بعظمها من فوق رؤوسهم (¬2) وذلك بعينك تنظر إلى هول ذلك، ثم انشقت بغلظها خمسمائة عام فيا هول صوت انشقاقها في سمعك، ثم تمزقت وانفطرت بعظيم هول يوم القيامة، والملائكة قيام على أرجائها وهى حافات ما يتشقق ويتفطر، فما ظنك بهول تنشق فيه السماء بعظمها، فأذابها ربها حتى صارت كالفضة المذابة تخالطها صفرة لفزع يوم القيامة، كما قال الجليل الكبير: {فكانت وردةً كالدهان} (¬3) و {يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن} (¬4) .
(قال المفسرون: إن المهل هي الفضة المذابة يخالطها صفرة، وإن العهن هو الصوف المنفوش. وقوله: {وردة كالدهان} كلون الفرس الورد) .
فبينا ملائكة السماء الدنيا على
¬_________
(¬1) قال ابن كثير في تفسيره (4/476) : وقوله تعالى {وإذا النجوم انكدرت} أي انتثرت كما قال تعالى {وإذا الكواكب انتثرت} وأصل الانكدار الانصباب.

وفي القرطبي (19/244) طبعة الشعب: {وإذا الكواكب انتثرت} أي تساقطت. نثرت الشيء أنثره نثراً فانتثر، والاسم النثار. والنثار بالضم: ما تناثر من الشيء.
(¬2) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [روسهم] .
(¬3) الرحمن / 37.
(¬4) المعارج 8، 9.

الصفحة 11