كتاب التوهم في وصف أحوال الآخرة

أذنيه، وقال الآخر: يلجمه (¬1) ، فقال ابن عمر: هكذا، وخط من فيه إلى شحمة أذنيه، فقال: ما أرى ذلك إلا سواء (¬2) (¬3) .
4*- عن خيثمة عن عبد الله قال: (الأرض كلها نار يوم القيامة، والجنة من ورائها يرون كواعبها وأكوابها، والذي نفس عبد الله بيده إن الرجل ليفيض عرقاً حتى يسيح في الأرض قامته، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه، وما مسَّه الحساب) . قال: فقالوا: ممَّ ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: فقال: مما يرى الناس يلقون (¬4) .
5- عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الرجل (وقال عليٌّ مرة: إن الكافر) ليقوم يوم القيامة في بحر رَشَحه (¬5) إلى أنصاف أذنيه من طول القيام " (¬6) .
6- عن عبد الله رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الكافر يُلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم ". (وقال علي: من طول القيام. قالا جميعاً:) " حتى يقول: ربِّ أرحني ولو إلى النار " (¬7) .
وأنت لا محالة أحدهم.
فتوهم نفسك لكربك، وقد علاك العرق وأطبق عليك الغم، وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب، والناس معك منتظرون (¬8) لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء.
حتى إذا بلغ المجهود منك ومن الخلائق منتهاه وطال وقوفهم لا يكلمون ولا ينظرون (¬9) في أمورهم، فما ظنك بوقوفهم
¬_________
(¬1) قال في النهاية: أي يصل إلى أفواههم فيصير له بمنزلة اللِّجام يمنعهم عن الكلام يعني في المحشر يوم القيامة.
(¬2) وذلك لا يكون إلا بأن ترفع الذقن لأعلى ما يكون إعلاؤها، وتخفض مؤخرة الرأس من الخلف بأن تلصق بأسفل العنق بين المنكبين، وهي حالة الذي يحاول الإنجاء بنفسه من الغرق. نسأل الله السلامة.
(¬3) إسناده فيه سعيد بن عمير وثقة ابن حبان والهيثمي وأظنه تبعه في ذلك، وقال ابن حجر: مقبول، وقد تقدم الكلام فيه، وفيه عبد الحميد بن جعفر وهو صدوق ربما وهم، وهو من رجال مسلم والأربعة، وقد أخرج له البخاري تعليقاً.
والحديث أخرجه أحمد (3/90) ، والحاكم في المستدرك (4/615) ح8705، (4/650) ح8797، وأبو يعلى (10/73) ح5711، وابن حبان في الثقات (4/287) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (10/335) .

ويشهد له الحديث الذي سيأتي بعده برواية من حديث ابن عمر.
(¬4) أخرج هذا القول ابن كثير في تفسيره (2/545) ، والطبري في التفسير (13/251) ، والطبراني في الكبير (9/154) رواية 8771، وهناد في الزهد (1/200، 204) .
(¬5) بفتحتين أي عرقه، قاله ابن حجر في الفتح.
(¬6) أخرجه البخاري بلفظ قريب ح 6531 فقال بإسنادٍ له: عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - {يوم يقوم الناس لرب العالمين} قال: " يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه ". وبلفظ البخاري أخرجه مسلم ح2862 فهو متفق عليه.
كما أخرجه بنحوه البخاري ح 4938، وقد أخرجه أيضاً الترمذي ح2422، 3335، 3336، وابن ماجة ح4278، وأحمد (2/13، 19، 64، 125، 126) ، والنسائي في السنن الكبرى ح11656، 11657، وابن حبان ح7332، وعبد بن حميد ح763، والطبري في التفسير (30/92، 93) .
(¬7) أخرجه أبو يعلى (8/398) ح4983، ومن روايته أخرجه ابن حبان (16/330) ح7335، والهيثمي في موارد الظمأن ص639 ح2582 من طريق بشر بن الوليد قال حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الكافر ليلجمه العرق يوم القيامة فيقول: أرحني ولو إلى النار ".
ومن طريق بشر بن الوليد وأبي بكر بن أبي شيبة أخرجه الطبراني في الكبير (10/99) ح10083، غير أنه قال: ((رب أرحني)) بدلاً من ((أرحني)) .
وإسناده ضعيف، وذلك لشأن أبي إسحاق، وهو السبيعي، فهو ثقة غير أنه يدلس وقد عنعن، وعلة أخرى فيه وهي الاختلاط فقد اختلط بآخرة. والراوي عنه وهو شريك روى عنه قديماً قبل اختلاطه، غير أن شريكاً هو الآخر قد اختلط، ورواية أبي بكر بن أبي شيبة كانت بعد اختلاط شريك، وذلك لأن شريك اختلط بعد أن ولي القضاء أو قضاء الكوفة بالأخص، وكان ذلك سنة (158) أو قبلها، وسماع ابن أبي شيبة كان سنة (173) ، أما سماع بشر بن الوليد من شريك فقد قال الذهبي في شأن بشر: ولد في حدود الخمسين ومائة. وذكر الخطيب وفاة بشر سنة (238) وقال: وبلغ سبعاً وتسعين سنة. وعليه فتكون ولادته نحو سنة (141) . فعلى القول الأول فيكون له نحو ثمانية أعوام عند اختلاط شريك، وعلى القول الثاني يكون له نحو سبعة عشر سنة على الأكثر عند اختلاط شريك.

وشريك، قال عنه في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة. وقال في طبقات المدلسين: كان من الأثبات ولما ولي القضاء تغير حفظه. وقد ذكره في المرتبة الثانية وهو: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جانب ما روى. وكان قديم السماع من أبى إسحاق. وقال ابن حبان في الثقات: ولي القضاء بواسط سنة 150 ثم ولي الكوفة بعد، ومات بها. وقال: وكان في آخر أمره يخطئ فيما روى تغير عليه حفظه فسماع المتقدمين منه ليس فيه تخليط وسماع المتأخرين منه بالكوفة فيه أوهام كثيرة. وقال الذهبي في التذكرة: وحديثه من أقسام الحسن.
وقد جاءت متابعة لأبي إسحاق أخرجها الطبراني في الكبير (10/107) ح10112 فقد تابعه إبراهيم بن المهاجر غير أن هذا الطريق للمتابع ضعيف لشأن محمد بن إسحاق، وهو صدوق يدلس. وقد عنعن.
وإبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي أخرج له مسلم والأربعة، ولعل إخراج مسلم له في المتابعات.
قال الثوري وأحمد: لا بأس به. وقال العجلي: جائز الحديث. وقال ابن سعد: ثقة. وقال الساجي: صدوق اختلفوا فيه. وقال أبو داود: صالح الحديث.
وقال يحيى القطان: لم يكن بقوي. قال يحيى بن معين: ضعيف. وقال ابن عدي: حديثه يكتب في الضعفاء. وقال ابن حبان في الضعفاء: هو كثير الخطأ تستحب مجانبة ما انفرد من الروايات ولا يعجبني الاحتجاج بما وافق الأثبات لكثرة ما يأتي من المقلوبات. وقال النسائي في الكنى والتمييز: ليس بالقوي. وقال في موضع آخر: ليس به بأس. وقال الحاكم: قلت للدارقطني: فإبراهيم بن مهاجر؟ قال: ضعفوه تكلم فيه يحيى بن سعيد وغيره. قلت: بحجة قال: بلى حدث بأحاديث لا يتابع عليها. وقد غمزه شعبة أيضاً. وقال غيره عن الدارقطني: يعتبر به. وقال يعقوب بن سفيان: له شرف وفي حديثه لين. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي هو وحصين وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض ومحلهم عندنا محل الصدق يكتب حديثهم ولا يحتج به. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: ما معنى لا يحتج بحديثهم؟ قال: كانوا قوماً لا يحفظون فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون ترى في أحاديثهم اضطراباً ما شئت.
هذا. وقد جاءت هذه الرواية موقوفة عند الطبراني في الكبير (9/155) ح8779 بإسناد فيه إبراهيم الهجري، وهو ابن مسلم. قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حجر في التقريب: لين الحديث، رفع موقوفات. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث. وضعفه أبو زرعة والترمذي والنسائي وابن سعد، وقال ابن عدي في: إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله وعامتها مستقيمة.
هذا وقد أورده الألباني في ضعيف الجامع (3/4295) .
(¬8) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [منتظر] .
(¬9) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [ينظروا] .

الصفحة 14