كتاب التوهم في وصف أحوال الآخرة

طاعة ربك. حتى إذا كرر عليك السؤال بذكر كل بلية ونشر كل مخباة، فأجهدك الكرب، وبلغ منك الحياء منتهاه، لأنه الملك الأعلى (¬1) فلا حياء يكون من أحد أعظم من الحياء منه، لأنه القديم الأول الباقي الذي ليس له مثل، المحسن المتعطف المتحنن الكريم الجواد المنعم المتطول.
فما ظنك بسؤال من هو هكذا، وقد أبان عن مخالفتك إياه، وقلة هيبتك له، وحيائك منه، ومبارزتك له، فما ظنك بتذكيره إياك مخالفته وقلة اكتراثك في الدنيا بالطاعة له، ونظرك إليه إذ يقول: يا عبدي، أما أجللتني، أما استحييت مني، استخففت بنظري إليك، ألم أحسن إليك، ألم أنعم عليك، ما غرك مني، شبابك فيم أبليته، وعمرك فيم أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته، وعملك ماذا عملت فيه؟ .
17- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما منكم من أحد إلا سيسأله رب العالمين، ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان " (¬2) .
18- وقال: سمعت عدي بن حاتم قال: شهدتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث له: " ليقفنَّ أحدكم بين يدي الله تبارك وتعالى ليس بينه وبينه حجاب يحجبه، ولا بينه وبينه ترجمان يترجم عنه، فيقول: ألم أنعم عليك، ألم آتك مالاً؟ فيقول: بلى، فيقول:
¬_________
(¬1) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [الأعلا] .
(¬2) أخرجه بهذا اللفظ الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في بغية الحارث (2/1003) ح1123 بلفظ: حدثنا عبد العزيز بن أبان القرشي ثنا بشير بن المهاجر ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما منكم من أحد الا سيسأله رب العالمين ليس بينه ـ يعني ـ وبينه حجاب ولا ترجمان ". وأخرجه أيضاً الهيثمي في المجمع (10/346) .

وإسناده فيه عبد العزيز بن أبان وقد كذبه ابن معين ومحمد بن عبد الله بن نمير.
فقد قال عنه يحيى بن معين: كذاب خبيث يضع الحديث. وقال مرة: ليس حديثه بشيء كان يكذب. وقال أحمد: تركته. وقال أبو حاتم: متروك الحديث لا يشتغل به تركوه لا يكتب حديثه. وقال البخاري: تركوه. قال في التقريب: متروك، وكذا قال الهيثمي في المجمع، وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه: ليس بذاك وليس هو في شيء من كتبي. وقال يعقوب بن شيبة: وعبد العزيز بن أبان عند أصحابنا جميعاً متروك كثير الخطأ كثير الغلط، وقد ذكروه بأكثر من هذا. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه فقال: ضعيف. قلت: يكتب حديثه. قال: ما يعجبني إلا على الاعتبار. قال: وترك أبو زرعة حديثه وامتنع من قراءته علينا وضربنا عليه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال محمد بن سعد: وكان كثير الرواية عن سفيان ثم خلط بعد ذلك فأمسكوا عن حديثه.
وفي إسناده أيضاً بشير بن المهاجر الغنوي الكوفي وهو من رجال مسلم والأربعة. قال فيه أحمد: منكر الحديث قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب. وقال الساجي: منكر الحديث. وقال العقيلي: مرجئ متهم متكلم فيه. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن عدي: روى ما لا يتابع عليه وهو ممن يكتب حديثه وإن كان فيه بعض الضعف. وقال ابن حبان في الثقات: دلس عن أنس ولم يره، وكان يخطئ كثيراً. وقال البخاري: يخالف في بعض حديثه.
وقال ابن معين والعجلي: ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال في الكاشف: ثقة فيه شيء. وقال في التقريب: صدوق لين الحديث.
قلت: ويراجع هل الذي رواه عنه مسلم رواه في الشواهد، أم في الأصول لأن الذي وجدته له في مسلم إنما هو في الشواهد.
غير أن هذا الحديث بغير هذا الإسناد أخرجه بقريب من هذا اللفظ البخاري ح 7443، وانظر الحديث التالي.

الصفحة 26