كتاب التوهم في وصف أحوال الآخرة

في قعرها، وهي تتلهَّب في بدنك، لها قصيف في جسدك، ثم لم يلبث أن تقطر بدنك وتساقط لحمك، وبقيت عظامك، ثم أطلقت النار على ما في جوفك فأكلت ما فيه.
فتوهم كبدك والنار تداخل فيها، وأنت تنادي فلا تُرحم، وتبكي وتعطي الندم إن رُدِدْتَ ألاَّ تعود، فلا تقبل توبتك، ولا يُجاب نداؤك (¬1) .
فتوهم نفسك وقد طال فيها مكثك وألح العذاب، فبلغت غاية الكرب، واشتد بك العطش، فذكرت الشراب في الدنيا، ففزعت إلى الجحيم، فتناولتَ الإناء من يد الخازن الموكل بعذابك، فلما أخذته نشبت كفك فيه، وتفسخت لحرارته ووهيج حريقه، ثم قربته إلى فيك فشوى وجهك، ثم تجرعته فسلخ حلقك، ثم وصل إلى جوفك فقطع أمعاءك، فناديتَ بالويل والثبور، وذكرتَ شراب الدنيا وبرده ولذته. ثم أقلعت (¬2) عن الحريق، فبادرت إلى حياض الحميم لتبرد بها كما تعود في الدنيا الاغتسال والانغماس في الماء إذا اشتد عليك الحر، فلما انغمستَ في الحميم تسلخ من قرنك إلى قدمك، فبادرت إلى
¬_________
(¬1) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [نداك] .
(¬2) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [أقلقت] .

الصفحة 38