كتاب التوهم في وصف أحوال الآخرة

النار رجاء أن تكون هي أهون عليك، ثم اشتد عليك حريق النار فرجعت إلى الحميم وأنت تتطوف بينها وبين حميم آن، وهو الذي قد انتهى حره، وتطلب الروح فلا روح بين الحميم وبين النار، تطلب الروح فلا روح أبداً.
فلما اشتد بك الكرب والعطش وبلغ منك المجهود ذكرتَ الجنان فهاجت غصة من فؤادك إلى حلقك أسفاً على جوار الله عز وجل، وحزناً على نعيم الجنة، ثم ذكرتَ شرابها وبرد مائها وطيب عيشها، فتقطع قلبك حسرة لحرمان ذلك، ثم ذكرتَ أن فيها (¬1) بعض القرابة من أب أو أم أو أخ، وغيرهم من القرابة، فناديتهم بصوت مخزون من قلب محترق قلق: يا أماه أو يأبتاه أو يا أخاه أو يا خالاه أو يا عماه أو يا أختي شربة من ماء، فأجابوك بالخيبة فتقطع قلبك حسرة (¬2) بما خيبوا من أملك، وبما رأيت من غضبهم عليك لغضب ربك عز وجل، ففزعت إلى الله بالنداء بالمرجع والعتبى أن يردك إلى الدنيا، فمكث عنك دهراً طويلاً لا يجيبك هواناً بك وأن صوتك عنده ممقوت، وجاهك عنده ساقط، ثم ناداك بالخيبة منه أن {اخْسئَوا فِيهَا ولا تُكلِّمُونِ} (¬3) .
فلما سمعتَ كلامه بنداء جلاله
¬_________
(¬1) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [فيهم] .
(¬2) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [حسرات] .
(¬3) المؤمنون /108.

الصفحة 39