كتاب التوهم في وصف أحوال الآخرة

الله عز وجل في قلوبهم، وكمد حرمان جوار الله عز وجل يتردد (¬1) في صدورهم. لا يرحم بكاؤهم، ولا يجاب دعاؤهم، ولا يغاثون (¬2) عند تضرعهم، ولا تقبل توبتهم ولا تقال عثرتهم. غضب الله عز وجل عليهم فلا يرضى عنهم أبداً إذ أبغضهم ومقتهم، وسقطوا من عينه (¬3) ، وهانوا عليه فأعرض عنهم.
فلو رأيتهم وقد عطشوا وجاعوا فنادوا من أهل الجنة الأقرباء فقالوا جميعاً: يا أهل الجنة يا معشر الآباء والأمهات والإخوة والأخوات، خرجنا من قبورنا عطاشاً، وأوقعنا بين يدي الله عز وجل عطاشاً، وأمر بنا إلى النار عطاشاً، أفيضوا علينا من الماء أو ممَّا رزقكم الله. فأجابوهم بالتخسئة، فتراجع في قلوبهم الحسرة والندامة فهم فيها يتقلقون لا ينفح وجوههم (¬4) روح أبداً، ولا يذوقون منها برداً أبداً، ولا يطبقون جفونهم على غمض نوم أبداً، فهم في عذاب دائم وهوان لا ينقطع. فمثل نفسك بهذا الوصف إن لم يعف عنك. فلو رأيت المعذبين في خلقهم، وقد أكلت النار لحومهم، ومحت محاسن وجوههم، واندرس تخطيطهم، فبقيت العظام مواصلة محترقة مسودة، وقد قلقوا واضطربوا في قيودهم وأغلالهم، وهم
¬_________
(¬1) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [يترد] .
(¬2) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [يغاثوا] .
(¬3) هذا اللفظ لم يرد عن الله، أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينبغي ذكره في الكلام عن الله.
(¬4) هكذا صوب الكلمة (أ) ، وكانت في أصله [وجوهم] .

الصفحة 41