كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 48)

للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت ثم إني لأقولك هذا وإني أخاف عليك أشد الخوف يوم القيامة يوم تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء من يأمرك بمثل هذا قال فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت ارفق بأمير (1) المؤمنين فقال يا بن (2) أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ثم أفاق فقال رحمك الله زدني فقال يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكى إليه قال فكتب إليه عمر يا أخي اذكر طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد فإن ذلك يطرد بك إلى الرب نائما ويقظانا وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد ومنقطع الرجاء قال فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له ما أقدمك قال خلعت قلبي بكتابك لا وليت ولاية حتى ألقى الله قال فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال زدني رحمك الله فقال يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى (صلى الله عليه وسلم) جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله أمرني على إمارة فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) يا عباس يا عم النبي نفس تحييها (4) خير لك من إمارة لا تحصيها إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل قال فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال له زدني رحمك الله فقال يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لرعيتك فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة ثم (5) فقالا جميعا قال فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه ثم قال عليك دين قال نعم دين لربي لم يحاسبني عليه فالويل لي إن ساءلني والويل لي إن ناقشني والويل لي إن لم الهم حجتي فقال إنما أعني من دين العباد قال فقال إن ربي لم يأمرني بهذا أمرني أن أصدق وعده وأن أطيع أمره فقال " وما خلقت الجن والإنس
_________
(1) بالاصل: " يا أمير " والتصويب عن الحلية والمصدرين
(2) كذا بالاصل والمختصر وتهذيب الكمال وسير الاعلام وفي الحلية: يا بن الربيع
(3) كذا بالاصل منونة
(4) المختصر: تنجيها
(5) بياض بالاصل بمقدار كلمة

الصفحة 439