كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 3)
سبيل الرشاد صار كل منهم يستدل بنظره واجتهاده فاختلفوا في الطرق وتشتتوا فمنهم من سلك طرقا أخرى غير طرق مكة فأفضت بهم إلى مفاوز معطشه وأودية مهلكة وأرض مسبعبه فأهلكتهم وطائفة أخرى شكوا وحاروا فلا مع الأدلاء سلكوا فأدركوا المقصود ولا لطرق المخالفين للأدلاء اتبعوا بل وقفوا مواقف التائهين الحائرين حتى هلكوا في أمكنتهم أيضا جوعا وعطشا كما هلك أرباب تلك الطرق فلم ينجوا من المكروه ولم يظفروا بالمطلوب وآخرون اختصموا فيما بينهم فصاروا حزبين حزبا يقولون الصواب مع الأدلاء فإنهم أهل هذا الشأن الذي نصبوا له دون غيرهم وحزبا يقولون بل الصواب مع هؤلاء الذين يقولون إنهم أخبر وأصدق وكلامهم في الأدلة أبين وأصدق فاقتتل الفريقان وطال بينهم الخصام والجدال وانتشر القيل والقال وشهد آخرون الوقعة فوقفوا بين هؤلاء وهؤلاء وخذلوا الفريقين ولم يتحيزوا إلى واحدة من الطائفتين فهلك الحجيج وكثر الضجيج وعظم البكاء والنشيج واضطربت الآراء وعصفت الأهواء وصار حالهم كحال قوم سفر نزلوا في ليلة ظلماء فهجم عليهم عدو وهم نيام فقاموا في ظلمة