كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 4)

وأما السلف فلم يكن ذمهم للكلام لمجرد ذلك ولا لمجرد اشتماله على ألفاظ اصطلاحية إذا كانت معانيها صحيحة ولا حرموا معرفة الدليل على الخالق وصفاته وأفعاله بل كانوا أعلم الناس بذلك ولا حرموا نظرا صحيحا في دليل صحيح يفضي إلى علم نافع ولا مناظرة في ذلك إما لهدى مسترشد وأما لقطع مبطل بل هم أكمل الناس نظرا واستدلالا واعتبارا وهم نظروا في أصح الأدلة وأقومها فإن القوم كان نظرهم في خير الكلام وأفضله وأصدقه وأدله على الحق وأوصله إلى المقصود بأقرب الطرق وهو كلام الله وكانوا ينظرون في آيات الله تعالى الأفقية والنفسية فيرون منها من الأدلة ما يبين أن القرآن حق فيتطابق عندهم السمع والعقل ويتصادق الوحي والفطرة كما قال تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت53] وقال {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقّ} [سبأ6] والإنسان له حالتان إما أن يكون ناظرا وإما أن يكون

الصفحة 1274