كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 4)

والعقل مزك والشرع مبصر مفصل لما هو مركوز في الفطرة مشهود أصله دون تفاصيله بالعقل فاتفقت فطرة الله المستقيمة والعقل الصريح والوحي المبصر المكمل على الإقرار بموجود فطر هذا العالم بجميع ما فيه عاليه وسافله وما بينهما وشهدت الفطر والعقول والشرائع المنزلة كلها بأنه ليس من جنس العالم ولا مماثلا له وأنه مباين له غير ممتزج به ولا متحد به ولا حال فيه وأنه فوق جميع العالم عال عليه بجميع أنواع العلو ذاتا وقهرا وعظمة وأنه موصوف بجميع الكمال المقدس من لوازم ذاته فتوهم رفعه عنه كتوهم عدم ذاته ومن لم يكن هذا الأصل معلوما عنده علما لا يشك فيه ولا يرتاب بل هو لقلبه كالمشاهدات لبصره وإلا اضطرب عليه باب معرفة الله ووحدانيته وتصديق رسله فلا يجوز أن يقدح في مقدمات هذا الأصل التي هي في أعلى مراتب الضروريات بمقدمات يدعي أربابها أنها نظريات ومن خالفهم فيها يقول إنها غير صحيحة بل معلومة الفساد إما بضرورة العقل أو بالنظر الصحيح المفضي إلى الضرورة.
ومن أبين ما شهدت به الفطر والعقول والشرائع علوه سبحانه فوق جميع العالم فإن الله فطر على هذا الخليقة حتى الحيوان البهيم ومن أنكر هذا فهو في جانب والفطر السليمة والعقول المستقيمة وجميع الكتب السماوية ومن أرسل بها في جانب.

الصفحة 1278