كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 4)

خلقت متحركة طالبة للتأله والمحبة فهي لا تسكن إلا بمحبوب تطمئن إليه وتسكن عنده يكون هو غاية محبوبها ومطلوبها ولا قرار لها ولا طمأنينة ولا سكون بدون هذا المطلوب والظفر به والوصول إليه ولو ظفرت بما ظفرت به سواه لم يزدها ذلك إلا فاقة وفقرا وحاجة وقلقا واضطرابا.
فطلب هذا المراد المطلوب كامن مستقر فيها وإن أعرضت عنه واشتغلت بغيره ولم تشعر به فوجود الشيء لا يستلزم الشعور به بل وجوده شيء والشعور به شيء وهذا الطلب والإرادة هو بحسب الشعور والمعرفة بالمطلوب المراد وصفات كماله ونعوت جلاله وجماله فكيف إذا انضاف إلى ذلك معرفته بشدة الحاجة إليه والفاقة والضرورة وأنه لا حياة له في الحقيقة ولا فلاح ولا لذة ولا سرور ولا نعيم إلا بقربه والإنس به والتنعم بذكره وأن منزلة ذلك من الروح منزلة الروح من البدن فإذا فقدته الروح كانت كالبدن الفاقد لروحه بل القلب مضطر إليه فقير إليه أعظم من ضرورة البدن إلى روحه إذ غاية ما يقدر بفوات الروح موت البدن وقد يعقبه راحة العبد وأما إذا فات الروح والقلب هذا المطلوب المحبوب ماتت موتا يتضمن كل ألم وهم وغم وحزن وخوف واضطراب فلو أن ما يحصل للقلب من الموت مثل موت البدن لكان في الموت راحة ولكنه موت يتجرع صاحبه كاسات الآلام من الهموم والغموم والحسرات

الصفحة 1354