كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 4)

{وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم17] وهذا أمر لا يصدق به إلا من باشر قلبه هذا وهذا وإذا كانت الروح مفطورة على تأله فاطرها وخالقها وهي فقيرة إليه أعظم الافتقار من جهة كونه ربها وخالقها وممسكها وحافظها ومغذيها وطبيها ومداويها ومن جهة كونه إلهها ومحبوبها ومطلوبها وغاية مناها فهي إلى معرفة هذا المطلوب ومعرفة كماله وجماله وأوصاف جلاله أشد شيء ضرورة وكلما كانت معرفتها بذلك أوفر كانت محبتها له أقوى مالم يعقها عائق ويمنعها مانع من مرض يتعطل به أو تضعف عن نهوضها بالجد في طلب هذا المحبوب.
وهذا العائق شيئان إما جهل بهذا المطلوب وكونه لم يقدره حق قدره ولم تهتد من معرفة كماله وجماله وجلاله إلى ما يدعوها إلى طلبه وإيثاره على غيره وإما فساد في إرادتها لماتعلقت بغيره وآثرته عليه ففسدت فطرتها التي فطرت عليها فانتقلت بفسادها عنه إلى غيره وهذه مقدمات فطرية ضرورية لا ينازع فيها سليم العقل والفطرة وإذا عرف هذا فالرسل جاءوا بكمال الأمرين على أتم الوجوه فإنهم ذكروا من صفات هذا الرب الذي تألهه القلوب

الصفحة 1355