كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 4)

التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف26] فأخبر سبحانه أن لباس التقوى وزينتها خير من المال والرياش والجمال الظاهر فالله سبحانه خلق عباده وجمل ظواهرهم بأحسن تقويم وجمل بواطنهم بهدايتهم إلى الصراط المستقيم.
ولهذا كانت صورتك قبل معصية ربك وإيثارك معاداته على طاعته وموالاته من أحسن الصور وأنت مع الملائكة الأكرمين فلما وقع ما وقع جعل قبح صورتك وبشاعة منظرك مثلا يضرب لكل قبيح كما قال تعالى {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات65] فهذه أول فقرة تعجلتها من معصيته ولا ريب أنك تعلم أنه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين وأغنى الأغنياء وأرحم الراحمين وأنه لم يأمر العباد إلا بما فعله خير لهم وأصلح وأنفع وأحسن تأويلا وأعظم عائدة من تركه كما أنه لم يرزقهم إلا ما تناوله أنفع لهم من تركه فأمره لهم بما أمرهم به كرزقه لهم ما رزقهم إياه فالسعداء استعملوا أمره وشرعه لحفظ صحة قلوبهم وكمالها وصلاحها بمنزلة استعمالهم رزقه لحفظ صحة أجسامهم وصلاحها وتيقنوا أنه كما لا بقاء للبدن ولا صحة ولا صلاح إلا بتناول غذائه الذي جعل له فلذلك لا صلاح للقلب والروح ولا فلاح ولا نعيم إلا بتناول غذائه الذي جعل له هذا وإن ألقيت إلى طائفة من الناس أنه لا مصلحة

الصفحة 1553