كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 3)

الوجه الرابع: قوله: إن قدمنا النقل لزم الطعن فحاصله ممنوع فإن قوله العقل أصل النقل إما أن يريد به أنه أصل في ثبوته في نفس الأمر أو أصل في علمنا بصحته فالأول لا يقوله عاقل فإن ما هو ثابت في نفس الأمر ليس موقوفا على علمنا به فعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في نفس الأمر.
فما أخبر به الصادق المصدوق هو ثابت في نفسه سواء علمناه بعقولنا أو لم نعلمه وسواء صدقه الناس أو لم يصدقوه كما أن رسول الله حق وإن كذبه من كذبه كما أن وجود الرب تعالى وثبوت أسمائه وصفاته حق سواء علمناه بعقولنا أو لم نعلمه.
فلا يتوقف ذلك على وجودنا فضلا عن علومنا وعقولنا فالشرع المنزل من عند الله مستغن في نفسه عن علمنا وعقلنا ولكن نحن محتاجون إليه وإلى أن نعلمه بعقولنا فإذا علم العقل ذلك حصل له كمال لم يكن قبل ذلك وإذا فقده كان ناقصا جاهلا.
وأما إن أراد أن العقل أصل في معرفتنا بالسمع ودليل على صحته وهذا هو مراده.

الصفحة 799