كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 3)

وإبطالهما معا إبطال للنقيضين وتقديم العقل ممتنع لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل وإذا بطلت دلالته لم يصلح أن يكون معارضا للنقل لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة الدليل فكان تقديم العقل موجبا لعدم تقديمه فلا يجوز تقديمه وهذا بين جدا فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته وأن خبره مطابق لمخبره فإما أن تكون هذه الدلالة صحيحة أو باطلة فإن كانت صحيحة امتنع أن يكون في العقل ما يبطلها وإن كانت باطلة لزم أن لا يكون العقل دليلا صحيحا وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يتبع بحال فضلا عن أن يقدم على الدليل السمعي الصحيح فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل بانتفاء لوازمه ومدلوله وإذا كان تقديمه على النقل يستلزم القدح فيه والقدح فيه يمنع دلالته وذلك يمنع معارضته استحال تقديمه عند المعارضة لأن تقديمه عند المعارضة يبطل المعارضة وذلك يحيل المسألة من أصلها يوضحه:

الصفحة 854