كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 3)

الوجه الثلاثون: وهو أن يقال معارضة العقل لما دل العقل على أنه حق دليل على تناقض دلالته وذلك يوجب فسادها وأما السمع فلم يعلم فساد دلالته ولا تعارضها وتناقضها في نفسها وإن قدر أنه لم يعلم صحتها.
وإذا تعارض دليلان أحدهما علمنا فساده والآخر لم نعلم فساده كان تقديم مالم يعلم فساده أقرب إلى الصواب من تقديم ما يعلم فساده وهذا كالشاهد إذا علم كذبه وفسقه لم يجز تقديم شهادته على شاهد مجهول لم يعلم كذبه فكيف إذا كان الشاهد الكاذب هو الذي شهد بأنه قد كذب في بعض شهاداته والعقل إذا صدق السمع في كل ما يخبر به ثم قال إنه أخبر بخلاف الحق قد شهد للسمع بأنه يجب قبول قوله وشهد له بأنه لا يجوز قبول قوله وشهد بأن ما أخبر به ليس بحق وشهد له بأن ما أخبر به حق وهذا قدح في شهادته مطلقا وفي تزكيته ولا تقبل شهادته الأولى ولا الثانية يوضحه:
الوجه الحادي والثلاثون: إن الآيات والبراهين اليقينية والأدلة القطعية قد دلت على صدق الرسل وأنهم لا يخبرون عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه إلا بالحق المحض فهم صادقون فيما يبلغونه عن الله في الطلب والخبر وهذا أول درجات

الصفحة 855