كتاب الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (اسم الجزء: 3)

التي لم تظهر له بعد ما يناقض خبره فإن قال أنا أقر من السمعيات بما لم ينفه العقل وأثبت من الصفات مالم يخالفه العقل لم يكن لقوله ضابط فإنه وقف التصديق بالسمع على أمر لا ضابط له وما كان مشروطا بعدم أمر لا ينضبط لم ينضبط فلا يبقى مع هذا الأصل إيمان جازم البتة.
ولهذا تجد من تعود معارضة الشرع بالرأي لا يستقر في قلبه إيمان أبدا ولا يكون الرجل مؤمنا حتى يؤمن بالرسول إيمانا جازما ليس مشروطا بعدم معارض فإذا قال أنا أؤمن بخبره مالم يظهر له معارض يدفعه لم يكن مؤمنا به كما لو قال أنا أشهد أن لا إله إلا الله إلا أن يكون في العقل دليل يدل على إثبات إله آخر أو يقول أنا أؤمن بالمعاد إلا أن يكون في العقل دليل ينفيه أو يقول أنا أؤمن بالرسول إلا أن يكون في العقل ما يبطل رسالته فهذا وأمثاله ليس بمؤمن جازم بإيمانه وأحسن أحواله أن يكون شاكا.
الوجه الثامن والثلاثون: إن طرق العلم الحس والعقل والمركب منهما فالمعلومات ثلاثة أقسام:
أحدهما: ما يعلم بالعقل
والثاني: ما يعلم بالسمع
والثالث: ما يعلم بالعقل والسمع
وكل منهما ينقسم إلى ضروري ونظري وإلى معلوم ومظنون وموهوم فليس كل ما يحكم به العقل علما بل قد يكون ظنا وقد يكون وهما كاذبا كما أن ما يدركه السمع والبصر كذلك.

الصفحة 870