كتاب كتاب مقالات الألباني

غُيّرتِ السنةُ. قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا كَثُرَتْ قراؤكم، وقَلَّتْ فُقهاؤُكم، وكَثُرَثْ أمراؤُكم، وقَلّتْ أمناؤُكم، والْتُمِسَتِ الدنيا بعمل الآخرة». رواه الدارمي في المقدمة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاتزال طائفةٌ من أمتي قائمةٌ بأمر اللهِ لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمرُ الله وهم ظاهرون على الناس» رواه مسلم.
إنّ شيوخنا الذين علمونا مئاتٌ كُثُر، هم نجومٌ في السماء، أعلامُ هدايةٍ في الأرض، ولكنْ! لئن كانوا نجوماً فالشيخُ ناصر بينهم بدرٌ، ولئن كانوا في الأرض أعلاماً فالشيخُ ناصر بينهم كالطّودِ العظيمِ، ولئن كانوا بحارَ علمٍ فالشيخُ ناصر محيط.
عرفتُ الشيخ منذ قرابةِ نصفِ قرنٍ، عفيفاً حليماً عليماً واسعَ الصدرِ، يناقشُ كلَّ أمرٍ بصبرٍ وتُؤَدَة، واستحضارِ أدلةٍ، ويقبلُ النصيحةَ من الكبير والصغير، ومن العالم والجاهلِ، لا يتكبرُ على أحدٍ، ولا يتطاولُ على الآخرين، عفيفَ اليد والقَلبِ، يأكل من كسب يده، لا يتركنا ندفع عنه أَجْرَ السيارة أو الترام بل يدفع عن كل محبيه ويقول: حتى أخالفَ المشايخ الذين يتسلطون على أموالِ محبّيهم ومريديهم.
كان كثيرٌ من شيوخنا يتسافهونَ ويتحامقونَ إن سألنا أحدهم عن دليل مسألة ما، لأنَّ كل واحدٍ منهم واهم يَدَّعي لنفسِهِ العصمةَ، ولكلامِهِ السَّلامَةَ، ولكن الشيخَ ناصر كان يسبقُنا بسوق الدليل قبل أن نسأله، وكان غيره يضيق ذرعاً إن سألناهُ عن صحةِ نصّ، ويَجُنُّ بعدَ أن يستيبَ، ولكن الشيخ ناصر كان يُدرِّبُنا على السؤَالِ عن الأدلةِ إن ساقَ حُكماً، ويقول: يا ليتكَ، تسألُنِي عن دليل ذلك، وعن صحته.
كان يأمُرَنا بالخشوع للهِ في العبادة، وغيرُنا يضع صورةَ شيخه بين عينيه حين يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

الصفحة 11