كتاب كتاب مقالات الألباني

العلم الماتع ساعات طويلة من يومه، إما في محل تصليح الساعات الذي كان يعمل فيه مع والده الشيخ نوح نجاتي، وإما في أروقة المكتبة الظاهرية التي قضى فيها الوقت الأكبر إبان طلبه للعلم، فكان يمكث فيها من الوقت أكثر مما يمكث في محله الذي هو مصدر رزقه، حتى إنه كان يداوم فيها أكثر من موظفيها الرسميين، مما استدعاهم أن يخصصوا له غرفة للمطالعة والقراءة فيها.
كان -رحمه الله- شغوفاً بطلب العلم، لا يريح جسده البتة من عناء القراءة والسهر وتقليب أوراق الكتب والمخطوطات، حتى أعياه التعب، ودب في جسمه المرض، وهو لم يزل شاباً، فنصحه الأطباء بالخلود إلى الراحة، وعدم ممارسة الأعمال الكتابية، فامتثل لأمرهم -كما يظن رحمه الله- فترك العمل في تلك الكتب والمخطوطات الموجودة في المكتبة الظاهرية، وأخذ يسلي نفسه (!) بالبحث عن ورقة ضائعة من مخطوط ما، واستغرق هذا البحث شهوراً عدة، كانت أصعب من عمله الأول في القراءة والتحقيق، وأسفر البحث عن هذه الورقة الضائعة عن تأليف كتاب فهرس مخطوطات الحديث الموجودة في المكتبة الظاهرية.
فانظر -أخي القاريء الكريم- إلى علو همة هذا الشيخ، وعدم تضييعه للأوقات حتى في حال مرضه، ولقد ذكرني حاله في مرضه الأول الذي ألم به أيام شبابه بمرضه الأخير الذي توفي فيه، حيث زرته في بيته الزيارة الأخيرة منذ قرابة الثلاثة شهور، وقد أخذ المرض منه مأخذه، فوجدته منكباً على كومة من الكتب، يطالع ويعلق، ويملي على تلاميذه وأحفاده بعض الفوائد الحديثية والفقهية لتدوينها في كتاب يعمل على تأليفه.
وحدثني -رحمه الله- في تلك الزيارة عن مشاريع لمؤلفات ينوي العمل فيها، تحتاج إلى مثل عمره المبارك لإنجازها. . . أشفقت عليه حينها، وقلت له: يا شيخنا، أما آن لك أن تستريح! ولكن أنى له

الصفحة 232