عليهما، كما كان عليه الأمر في عهد السلف الصالح (¬1) فإذا تحقق هذا -وهو واقع إن شاء الله تعالى ولو بعد حين- نكون قد سلكنا النهج المستقيم للقضاء على الخلاف في فهم الإسلام على الصورة التي عرضها الشيخ الطنطاوي -حفظه الله تعالى- في مقال: "المشكلة" وبذلك يمكن حل (المشكلة) التي تقف عقبة في سبيل «الاتفاق على الأسلوب الذي ندعو به إلى الإسلام».
3 - هل يرضى الدعاة بهذا الحل؟
لكن يبدو للباحث أن كثيراً من الدعاة اليوم لا استعداد عندهم -مع الأسف الشديد- لتقبل الحل المذكور منهجاً للقضاء على الخلاف، مما يحملنا على أن نعتقد أن تحقيق الاتفاق الذي يدعو إليه الشيخ بعيد المنال في الوقت الحاضر، كيف لا، ونحن نرى حضرته -وهو ممن كنا نظن أنه من أقربهم إلى السنة وأدناهم للتفاهم معه في سبيل الدعوة إليها والعمل بها-
¬__________
(¬1) قال الشيخ محمد الخضري -رحمه الله- بعد أن تكلم عن التشريع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم في عهد الصحابة، ثم في عهد التابعين، إلى منتصف القرن الرابع:
«الدور الخامس وهو دور القيام على المذاهب وتأييدها. . .
لا شك أنه كان في كل دور من الأدوار السابقة مجتهدون ومقلدون، فالمجتهدون هم الفقهاء الذين يدرسون الكتاب والسنة، ويكون عندهم من المقدرة ما يستنبطون به الأحكام من ظواهر النصوص أو من منقولها، والمقلدون هم العامة الذين لم يشتغلوا بدراسة الكتاب والسنة دراسة تؤهلهم إلى الاستنباط، أما في هذا الدور فإن روح التقليد سرت سرياناً عاماً واشترك فيها العلماء وغيرهم من الجمهور، فبعد أن كان مريد الفقه يشتغل أولأ بدراسة الكتاب ورواية السنة اللذين هما أساس الاستنباط، صار في هذا الدور يتلقى كتب إمام معين، ويدرس طريقته التي استنبط بها ما دوَّنه من الأحكام، فإذا أتم ذلك صار من العلماء الفقهاء».
فلت: ومما لا شك فيه عند غير المتعصب أن هذه الطريقة السلفية هي وحدها الكفيلة بإخراج العلماء الفقهاء حقيقة، كيف لا، والإمام مالك يقول: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها».