كتاب كتاب مقالات الألباني

يرجعون إلى هذه المئة، ولا يجتهدون لأنفسهم، وأنه إن لم يطلع الإمام من الأئمة على الحديث من الأحاديث، فإن أتباع مذهبه قد اطلعوا عليه خلال هذه القرون الطويلة، وأنهم كانوا أتقى لله وأحرص على دينهم من أن يخالفوا حديثاً صحيحاً لقول إمام أو غير إمام، وأن المذاهب لم تأخذ الأحاديث وحدها، بل أخذت الحديث وما قال فيه الصحابي، والتابعي، ومن بعده، وسجلت هذه الشروح والأفهام المتعاقبة ثم استخلصت منها الحكم، وأن من يترك اجتهادات الأئمة كمن يرى الطيارة وما بلغت إليه بعد الجهود المتتالية والرقي المتسلسل، فيتركها ويعرض عنها، ويحاول الطيران بأجنحة ليركِّبها لنفسه كما فعل العباس بن فرناس، وإن دعوى منع التقليد في الدين دعوى باطلة، لأن في كل علم أهل اختصاص فيه وغرباء عنه، فإذا احتاج الغريب إلى معرفة حكم فيه رجع إلى أهله، كالعامي يحتاج إلى مداواة مريضه، أو عمارة بيته، أو إصلاح ساعته، فلا يستطيع إلا الرجوع إلى الطبيب أو المهندس أو الساعاتي، وتقليده فيما يذهب به إليه اجتهاده» اهـ.
5 - لماذا يدعو دعاة السنة للعودة إلى السنة:
وإني قبل الشروع في بيان ما في كلام الأستاذ الطنطاوي من الأخطاء، أرى لزاماً علي أن أبين الأسباب التي تحمل دعاة السنة على الدعوة إليها، وترك كل قول يخالفها فأقول:
أولاً: إنها المرجع الوحيد بعد القرآن الكريم، وفي ذلك آيات كثيرة معروفة وعلى ذلك إجماع الأمة.
ثانياً: إنها عصمة من الوقوع في الخطأ وأمان من التردي في الضلال كما قال -صلى الله عليه وسلم- في حجة الودع: «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه» (¬1)، وليس كذلك
¬__________
(¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" (93)، وابن عبد البر في "جامع العلم" (2/ 24).

الصفحة 34