كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 1)

والملوك والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام ودياناتهم وَالْعُلَمَاء وأقوالهم والفلاسفة وحكمهم لَا شكّ عِنْد أحد يُوفي عقله حَقه فِي شَيْء مِمَّا نقل من ذَلِك كَمَا ذكرنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
بَاب الْكَلَام على أهل الْقسم الأول وهم مبطلوا الْحَقَائِق وهم السوفسطائية
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذكر من سلف من الْمُتَكَلِّمين أَنهم ثَلَاثَة أَصْنَاف فصنف مِنْهُم نفى الْحَقَائِق جملَة وصنف مِنْهُم شكوا فِيهَا وصنف مِنْهُم قَالُوا هِيَ حق عِنْد من هِيَ عِنْده حق وَهِي بَاطِل عِنْد من هِيَ عِنْده بَاطِل وعمدة مَا ذكر من اعتراضهم فَهُوَ اخْتِلَاف الْحَواس فِي المحسوسات كإدراك المبصر من بعدٍ عَنهُ صَغِيرا وَمن قربٍ مِنْهُ كَبِيرا وكوجود من بِهِ حمى صفراء حُلْو المطاعم مرا وَمَا يرى فِي الرُّؤْيَا مِمَّا لَا شكّ فِيهِ رائيه أَنه حق من أَنه فِي الْبِلَاد الْبَعِيدَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل هَذَا لَا معنى لَهُ لِأَن الْخطاب وتعاطي الْمعرفَة إِنَّمَا يكون مَعَ أهل الْمعرفَة وحس الْعقل شَاهد بِالْفرقِ بَين مَا يخيل إِلَى النَّائِم وَبَين مَا يُدْرِكهُ المستيقظ إِذْ لَيْسَ فِي الرُّؤْيَا من اسْتِعْمَال الجري على الْحُدُود المستقرة فِي الْأَشْيَاء الْمَعْرُوفَة وَكَونهَا ابداً على صفة وَاحِدَة مَا فِي الْيَقَظَة وَكَذَلِكَ يشْهد الْحس أَيْضا بِأَن تبدل المحسوس عَن صفته اللازمه لَهُ بحث الْحس إِنَّمَا هُوَ لآفة فِي حس الحاس لَهُ لَا فِي المحسوس جَار كل ذَلِك على رُتْبَة وَاحِدَة لَا تتحول وَهَذِه هِيَ الْبِدَايَة والمشاهدات الَّتِي لَا يجوز أَن يطْلب عَلَيْهَا برهَان إِذْ لَو طلب على كل برهَان برهَان لاقتضى ذَلِك وجود موجودات لَا نِهَايَة لَهَا وَوُجُود أَشْيَاء لَا نِهَايَة لَهَا محَال لَا سَبِيل إِلَيْهِ على مَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالَّذِي يطْلب على الْبُرْهَان برهاناً فَهُوَ نَاطِق بالمحال لِأَنَّهُ لَا يفعل ذَلِك إِلَّا وَهُوَ مُثبت لبرهان مَا فَإِذا وقفنا عِنْد الْبُرْهَان الَّذِي ثَبت لزمَه الإذعان لَهُ فَإِن كَانَ لَا يثبت برهاناً فَلَا وَجه لطلبه مَا لَا يُثبتهُ لَو وجده وَالْقَوْل بِنَفْي الْحَقَائِق مُكَابَرَة لِلْعَقْلِ والحس وَيَكْفِي من الرَّد عَلَيْهِم أَن يُقَال لَهُم قَوْلكُم أَنه لَا حَقِيقَة للأشياء حق هُوَ أم بَاطِل فَإِن قَالُوا هُوَ حق أثبتوا حَقِيقَة مَا وَإِن قَالُوا لَيْسَ هُوَ حَقًا أقرُّوا بِبُطْلَان قَوْلهم وَكفوا خصمهم أَمرهم وَيُقَال للشكاك مِنْهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أشككم مَوْجُود صَحِيح مِنْكُم أم غير صَحِيح وَلَا مَوْجُود فَإِن قَالُوا هُوَ مَوْجُود صَحِيح منا أثبتوا أَيْضا حَقِيقَة مَا وَإِن قَالُوا غير مَوْجُود نفوا الشَّك وأبطلوه وَفِي إبِْطَال الشَّك إِثْبَات الْحَقَائِق أَو الْقطع على إِبْطَالهَا وَقد قدمنَا بعون الله تَعَالَى إبِْطَال قَول من أبطلها فَلم يبْقى إِلَّا الْإِثْبَات
وَيُقَال وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق لمن قَالَ هِيَ حق عِنْد من هِيَ عِنْده حق وَهِي

الصفحة 14