كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 1)

وَإِن كَانَت تِلْكَ الْعلَّة محدثة لزم فِي حدوثها مَا لزم فِي حُدُوث سَائِر الْأَشْيَاء من أَنه أحدثها لِأَنَّهُ أَو لعِلَّة فَإِن كَانَ لعِلَّة لزم ذَلِك أَيْضا فِي عِلّة الْعلَّة وَهَكَذَا أبدا وَهَذَا يُوجب وجود محدثات لَا أَوَائِل لَهَا قَالُوا وَهَذَا قَوْلنَا قَالُوا وَإِن كَانَ أحدثها لِأَنَّهُ فَهَذَا يُوجب أَن الْعلَّة لم تزل كَمَا بَينا آنِفا وَقَالُوا أَيْضا إِن كَانَ للأجسام مُحدث لم يخل من أحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن يكون مثلهَا من جَمِيع الْوُجُوه لزم وَإِمَّا أَن يكون خلَافهَا من دميع الْوُجُود وَإِمَّا أَن يكون مثلهَا من بعض الْوُجُوه وخلافها من بعض الْوُجُوه قَالُوا فَلَنْ كَانَ مثلهَا من جَمِيع الْوُجُوه لزم أَن يكون مُحدثا مثلهَا وَهَكَذَا فِي محدثة أَيْضا ابداً وَإِن كَانَ مثلهَا فِي بعض الْوُجُوه لزمَه أَيْضا من مماثلتها فِي ذَلِك الْبَعْض مَا يلْزمه من مماثلته لَهَا فِي جَمِيع الْوُجُوه من الْحُدُوث إِذْ الْحُدُوث اللَّازِم للْبَعْض كازومه للْكُلّ وَلَا فرق وَإِن كَانَ خلَافهَا من جَمِيع الْوُجُوه فمحال أَن يَفْعَلهَا لِأَن هَذَا هُوَ حَقِيقَة الضِّدّ والمناقض إِذْ لَا سَبِيل إِلَى أَن يفعل الشَّيْء خِلَافه من جَمِيع الْوُجُوه كَمَا لَا تفعل النَّار التبريد وَقَالُوا أَيْضا لَا يَخْلُو إِن كَانَ للْعَالم فَاعل من أَن يكون فعله لإحراز مَنْفَعَة أَو لدفع مضرَّة أَو طباعاً أَو لَا لشَيْء من ذَلِك قَالُوا فَإِن كَانَ فعله لإحراز مَنْفَعَة أَو لدفع مضرَّة فَهُوَ مَحل للمنافع والمضار وَهَذِه صفة المحدثات عنْدكُمْ فَهُوَ مُحدث مثلهَا قَالُوا وَإِن كَانَ فعله طباعاً فالطباع مُوجبَة لما حدث بهَا فَفعله لم يزل مَعَه قَالُوا وَإِن كَانَ فعله لَا لشَيْء من ذَلِك فَهَذَا لَا يعقل وَمَا خرج عَن الْمَعْقُول فمحال وَقَالُوا أَيْضا لَو كَانَت الْأَجْسَام محدثة لَكَانَ محدثها قبل أَن يحدثها فَاعِلا لتركها قَالُوا وَتركهَا لَا يَخْلُو من أَن يكو جسما أَو عرضا وَهَذَا يُوجب أَن الْأَجْسَام والأعراض لم تزل مَوْجُودَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فَهَذِهِ المشاغب الْخمس هِيَ كل مَا عول عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بالدهر قد تقصيناها لَهُم وَنحن إِن شَاءَ الله نبدأ بحول الله وقوته فِي مناظرتهم فننقضها وَاحِدًا وَاحِدًا
إِفْسَاد الِاعْتِرَاض الأول قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ يُقَال وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والعون لمن قَالَ لم نر شَيْئا حدث إِلَّا من شَيْء أَو فِي شَيْء هَل تدْرك حَقِيقَة شَيْء عنْدكُمْ من غير طَرِيق الرُّؤْيَة والمشاهدة أَو لَا يدْرك شَيْء من الْحَقَائِق إِلَّا من طَرِيق الرُّؤْيَة فَقَط فَإِن قَالُوا إِنَّه قد تدْرك الْحَقَائِق من غير طَرِيق الرُّؤْيَة والمشاهدة تركُوا استدلالهم وأفسدوه إِذْ قد أوجبوا وجود أَشْيَاء من غير طَرِيق الرُّؤْيَة والمشاهدة وَقد نفوا ذَلِك قبل هَذَا فَإِذا صَارُوا إِلَى الِاسْتِدْلَال نُوظِرُوا فِي ذَلِك إِلَّا أَن دليلهم هَذَا على كل حَال قد بَطل بِحَمْد الله تَعَالَى فَإِن قَالُوا لَا بل لَا يدْرك شَيْء إِلَّا من طَرِيق الْمُشَاهدَة قيل لَهُم فَهَل شاهدتم شَيْئا قطّ لم يزل فَلَا بُد من نعم أَو لَا فَإِن قَالُوا لَا

الصفحة 16