كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 1)

وَصَدقُوا وأبطلوا استدلالهم وَإِن قَالُوا نعم كابروا وَادعوا مَالا سَبِيل إِلَى مشاهدته إِذْ مُشَاهدَة قَائِل هَذَا القَوْل للأشياء هِيَ ذَات أول بِلَا شكّ وَذُو الأول هُوَ غير الَّذِي لم يزل لِأَن الَّذِي لم يزل هُوَ الَّذِي لَا أول لَهُ وَلَا سَبِيل إِلَى أَن يُشَاهد مَاله أول مَالا أول لَهُ مُشَاهدَة مُتَّصِلَة فَبَطل هَذَا الِاسْتِدْلَال على كل وَجه وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
إِفْسَاد الِاعْتِرَاض الثَّانِي قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَيُقَال لمن قَالَ لَا يَخْلُو من أَن بِفعل لِأَنَّهُ أَو لعِلَّة هَذِه قسْمَة نَاقِصَة وَينْقص مِنْهَا الْقسم الثَّالِث وَهُوَ لِأَنَّهُ فعل لَا لِأَنَّهُ وَلَا لعِلَّة أصلا لَكِن كَمَا شَاءَ لِأَن كلا الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين أَولا وهما أَنه فعل لِأَنَّهُ أَو لعِلَّة قد بطلا بِمَا قدمنَا هُنَالك إِذْ الْعلَّة توجب إِمَّا الْفِعْل أَو التّرْك وَهُوَ تَعَالَى يفعل وَلَا يفعل فصح بذلك أَنه لَا عِلّة لفعله أصلا وَلَا لتَركه الْبَتَّةَ فَبَطل هَذَا الشغب وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
فَإِن قَالُوا إِن ترك الْبَارِي تَعَالَى فِي الْأَزَل فعل مِنْهُ للترك فَفعله الَّذِي هُوَ التّرْك لم يزل قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن ترك الْبَارِي تَعَالَى الْفِعْل لَيْسَ فعلا أصلا على مَا نبين فِي فَسَاد الِاعْتِرَاض الْخَامِس إِن شَاءَ الله تَعَالَى
إِفْسَاد الِاعْتِرَاض الثَّالِث قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ يُقَال لمن قَالَ لَو كَانَ للأجسام مُحدث لم يخل من أحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن يكون مثلهَا من جَمِيع الْوُجُوه أَو من بعض الْوُجُوه لَا من كلهَا أَو خلَافهَا من جَمِيع الْوُجُوه إِلَى انْقِضَاء كَلَامهم بل هُوَ تَعَالَى خلَافهَا من جَمِيع الْوُجُوه وإدخالكم على هَذَا الْوَجْه أَنه حَقِيقَة الضِّدّ والنقيض والضد لَا يفعل ضِدّه كَمَا لَا تفعل النَّار التبريد إِدْخَال فَاسد لِأَن الْبَارِي تَعَالَى لَا يُوصف بِأَنَّهُ ضد لخلقه لِأَن الضِّدّ هُوَ مَا حمل التضاد والتضاد هُوَ اقتسام الشَّيْئَيْنِ طرفِي الْبعد تَحت جنس وَاحِد فَإِذا وَقع أحد الضدين ارْتَفع الآخر وَهَذَا الْوَصْف بعيد عَن الْبَارِي تَعَالَى وَإِنَّمَا التضاد كالخضرة وَالْبَيَاض اللَّذين يجمعهما اللَّوْن أَو الْفَضِيلَة والرذيلة اللَّتَيْنِ يجمعهما الْكَيْفِيَّة والخلق وَلَا يكون الضدان الأعرضين تَحت جنس وَاحِد وَلَا بُد وكل هَذَا منفي عَن الْخَالِق عز وَجل فَبَطل بِالضَّرُورَةِ أَن يكون عز وَجل ضداً لخلقه
وَأَيْضًا فَإِن قَوْلهم لَو كَانَ خلافًا لخلقه من جَمِيع الْوُجُوه لَكَانَ ضداً لَهُم قَول فَاسد إِذْ لَيْسَ كل خلاف ضداً فالجوهر خلاف الْعرض من كل وَجه حاشا الْحُدُوث فَقَط وَلَيْسَ ضداً لَهُ وَيُقَال أَيْضا لمن قَالَ هَذَا القَوْل هَل تثبت فَاعِلا وفعلاً على وَجه من الْوُجُوه أَو تَنْفِي أَن يُوجد فَاعل وَفعل الْبَتَّةَ فَإِن نفي الْفَاعِل وَالْفِعْل

الصفحة 17