كتاب حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح

والسلم, " وبعد ": فيقول العبد الذليل الراجي عفو ربه الجليل حسن بن عمار بن علي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولولا اختصاص الصحابي بحكم لأمكن جعل الخلاف في مجرد الاصطلاح ولا مشاحة فيه, اهـ. وحاصله أن غير الملازم يحتاج إلى التعديل ولا يقبل إرساله1 عند من لايقبل المرسل, ومن هنا يعلم اشتراط طول الصحبة في حق التابعين بالأولى, وأما من مات على الإسلام من الصحابة وقد تخللت منه ردة كالأشعث بن قيس فإن أحدا لم يتخلف عن ذكره في الصحابة, ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وكان ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأتي به أسيرا إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فعاد إلى السلام فقبل أبو بكر منه ذلك وزوجه أخته, لكن يعود له اسم الصحبة فقط مجردا عن ثوابها, وذكر الأصحاب بعد الآل تخصيص بعد تعميم إن أريد بالآل جميع الأمة لعلو مقامهم بشرف الصحبة أو بالعكس أن أريد بهم أقرباؤه صلى الله عليه وسلم. قوله: " القائمين بنصرة الدين " يحتمل قصره على الأصحاب ويحتمل حذف نظيره من الآل وهو يرشد إلى أن المراد بالآل المتقون والدين تقدم المراد بت. قوله: " في الحرب والسلم " يقال رجل حرب: أي عد ومحارب للذكر والأنثى والجمع والواحد أفاده في القاموس, ويطلق على مقابل الصلح وهو المراد هنا, والسلم بكسر السين المسالم, والصلح ويفتح ويؤنث, والسلم بفتح السين أيضا هو الدلو بعروة واحدة كدلو السقائين قاموس, والمعنى أنهم نصروا الدين في حالة القتال والصلح والمراد أنهم في جميع أحوالهم ناصرون للحق في رضاهم وغضبهم, ومخاصمتهم ومصالحتهم سواء كان ذلك مع القريب أم الغريب, ولا يسخطون الله تعالى برضا الخلق, ورد في صحيح ابن حبان على عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس", وفيه أيضا عنها رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد سخط الله ورضا الناس عاد حامده من الناس ذاما", وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه, ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزين قوله وعمله في عينه", اهـ.
قوله: " وبعد ": الكلام فيها شهير, والذي يفيده صنيعه صلى الله عليه وسلم في خطبه ومراسلاته سنية الإتيان بها, لكن بصيغة: "أما بعد", والظاهر أن قولهم: "وبعد" لتأديته معنى "أما بعد" يقوم مقامها في تحصيل المندوب, وقد فشا التعبير بها. قوله: "العبد" هو أشرف أوصاف الشخص وهو أحب أوصافه إليه صلى الله عيله وسلم؛ لكونه أحبها إليه تعالى وقد مر. قوله: "عفو ربه" العفو: الصفح وترك عقوبة المستحق, والمحو, والإمحاء2, وأطيب الماء وخيار الشيء, فعله يتعدى بنفسه وباللام وبعن كذا في القاموس, "والرجاء": هو الطمع في
__________
1 قوله عند من لا يقبل المرسل كذا في النسخ، ولعل لا زائدة من الناسخ كما هو ظاهر للمتأمل، اهـ. مصححه.
2 الامحاء هو بتشديد الميم على وزن الانفعال أدغمت نونه في الميم مطاوع المحو كتبه مصححه.

الصفحة 13