كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 2)

مَعْدُوما مَوْجُودا مَعًا وَقَائِمًا قَاعِدا مَعًا أَو فِي مكانين مَعًا وَهَذَا قَول الْبَلْخِي وَطَوَائِف من الْمُعْتَزلَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالَّذِي عَلَيْهِ أهل الْإِسْلَام كلهم وَمن سلف من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَمن بعدهمْ قبل أَن تحدث هَذِه الضلالات وَهَذَا الْإِقْدَام الشنيع الَّذِي لَوْلَا ضلال من ضل بِهِ مَا انْطَلَقت ألسنتنا بِهِ وَلَا سمحت أَيْدِينَا بكتابته وَلَكنَّا نحكيه حِكَايَة الله ضلال من ضل فَقَالَ الْمَسِيح ابْن الله والعزيز إِبْنِ الْوَلِيد وَيَد الله مغلولة وَالله فَقير وَنحن أَغْنِيَاء وَإِذ قَالَ للْإنْسَان اكفر وكما أنذر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن النَّاس لَا يزالون يتساءلون فِيمَا بَينهم حَتَّى يَقُولُوا هَذَا الله خلق الْخلق فَمن خلق الله فَقَوْل أهل الْإِسْلَام عامتهم وخاصتهم قبل مَا ذكرنَا هُوَ أَن الله تَعَالَى فعال لما يَشَاء وعَلى كل شَيْء قدير وَبِهَذَا جَاءَ الْقُرْآن وكل مسئول عَنهُ وَإِن بلغ الْغَايَة من الْمحَال فهم أَو لم يفهم فَالله تَعَالَى قَادر عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَالَ لي بَعضهم أَن الْقُرْآن نما جَاءَ بِأَن الله تَعَالَى يفعل مَا يَشَاء وَنحن لَا ننكر هَذَا وَإِنَّمَا نمْنَع من أَن يُوصف الله تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ على مَا لَا يَشَاء وبالقدرة على مَا لَيْسَ بِشَيْء فَقلت لَهُ قد قَالَ الله تَعَالَى يرْزق من يَشَاء وَيقدر فَعم عز وَجل وَلم يخص فَلَا يحل لأحد تَخْصِيص قدرته تَعَالَى أصلا وَقَالَ تَعَالَى {قل إِن الله قَادر على أَن ينزل آيَة} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} وَقَالَ تَعَالَى {نَحن بمسبوقين على أَن نبدل أمثالكم وننشئكم فِي مَا لَا تعلمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضَّة ومعارج عَلَيْهَا يظهرون} وَقَالَ تَعَالَى {أَو لَيْسَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِقَادِر على أَن يخلق مثلهم بلَى} وَقَالَ تَعَالَى عَن نوح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين وَيجْعَل لكم جناتٍ وَيجْعَل لكم أَنهَارًا} مَعَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} قَالَ تَعَالَى {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم أَو من تَحت أَرْجُلكُم} وَقَالَ تَعَالَى {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن} فَهَذَا نَص على أَن يفعل خلاف مَا سبق علمه من هدى من علم أَن لَا يهديه وَمن تَعْذِيب من علم أَنه لَا يعذب أبدا وتبديل أَزوَاج قد علم أَنه لَا يبدلهن أبدا وكل هَذَا نَص على قدرته على إبِْطَال علمه الَّذِي لم يزل وعَلى تَكْذِيب قَوْله الَّذِي لَا يكذب أبدا وَمثل هَذَا فِي الْقُرْآن كثير فَمن أعجب قولا وَأتم ضَلَالَة مِمَّن يُوجب بقوله إِن الله تَعَالَى كذب وَأَنه تَعَالَى مَعَ ذَلِك غير قَادر على الْكَذِب مَعَ قَوْله تَعَالَى {عِنْد مليك مقتدر} وَقَالَ تَعَالَى {وَهُوَ الْعَلِيم الْقَدِير} وَقَوله تَعَالَى {إِنَّه كَانَ عليماً قَدِيرًا} فَأطلق تَعَالَى لنَفسِهِ الْقُدْرَة وَعم وَلم يخص فَلَا يجوز تَخْصِيص قدرته بوحه من الْوُجُوه قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا يؤمنكم إِذْ هُوَ تَعَالَى قَادر على الظُّلم وَالْكذب والمحال من أَن يكون قد فعله أَو لَعَلَّه سيفعله فَتبْطل الْحَقَائِق كلهَا وَلَا تصح وَيكون كل مَا أخبرنَا بِهِ كذبا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وجوابنا فِي هَذَا هُوَ أَن الَّذِي أمننا من ذَلِك ضَرُورَة الْمعرفَة الَّتِي قد وصفهَا الله تَعَالَى فِي نفوسنا كمعرفتنا أَن ثَلَاثَة أَكثر من اثْنَيْنِ وَأم الْمُمَيز مُمَيّز والأحمق أَحمَق وَأَن النَّحْل لَا يحمل زيتوناً

الصفحة 140