كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 2)

كَذَا يقدر أَن لَا يميته فِي ذَلِك الْيَوْم وعَلى أَن يميته قبل ذَلِك الْيَوْم أم لَا فَإِن قَالُوا لَا لَحِقُوا بقول الأسواري وَإِن قَالُوا نعم أقرُّوا أَنه يقدر على تَكْذِيب قَوْله وَهَذَا هُوَ الْقُدْرَة على الْكَذِب الَّتِي أبطلوا وَنِسَائِهِمْ أَيْضا إِذْ أمرنَا الله تَعَالَى بِالدُّعَاءِ وَمِنْه مَا قد علم أَنه لَا يُجيب الدَّاعِي بِهِ هَل أمرنَا بِالدُّعَاءِ من ذَلِك فِيمَا لَا يَسْتَطِيع وَلَا يقدر عَلَيْهِ أم فِيمَا يقدر عَلَيْهِ فَإِن قَالُوا فِيمَا لَا يقدر عَلَيْهِ لَحِقُوا بالأسواري وأوجبوا على الله تَعَالَى القَوْل بالمحال إِذْ زَعَمُوا أَنه أمرنَا بِأَن نرغب إِلَيْهِ فِي أَن يفعل مَا لَا يقدر عَلَيْهِ تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَإِن قَالُوا بل فِيمَا يقدر عَلَيْهِ أقرُّوا أَنه يقدر على إبِْطَال علمه وَالَّذِي يدْخل هَذَا الَّذِي هُوَ الْكفْر الْمُجَرّد من إبِْطَال دَلَائِل التَّوْحِيد وَإِبْطَال حُدُوثه الْعَالم وَخلاف الْإِجْمَاع غير قَلِيل فَإِن قَالَ عَليّ الأسواري لَا يلْزَمنِي إِثْبَات الْعَجز بِنَفْي الْقُدْرَة بل أنفي عَنهُ الْأَمريْنِ جَمِيعًا كَمَا قُلْتُمْ أَنْتُم أَن نفيكم عَنهُ تَعَالَى الْحَرَكَة لَا يلْزمه السّكُون وَنفي السّكُون لَا يلْزمه الْحَرَكَة كَمَا تنفون عَنهُ الضدين جَمِيعًا من الشجَاعَة والجبن وَسَائِر الصِّفَات الَّتِي نفيتموها وأضدادها
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن هَذَا تمويه ضَعِيف لأننا نَحن فِي نفي هَذِه الصِّفَات عَنهُ تَعَالَى جارون على سنَن وَاحِد فِي نفي جَمِيع صِفَات المخلوقين عَنهُ كلهَا وَأَنْتُم قد أثبتم لَهُ قدرَة على أَشْيَاء ونفيتم عَنهُ قدرَة على غَيرهَا فَوَجَبَ ضَرُورَة إِثْبَات الْعَجز عَنهُ فِي الْأَشْيَاء الَّتِي وصفتموه بِعَدَمِ الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَأما نَحن فَلَو وصفناه بالشجاعة فِي شَيْء أَو بالحركة فِي وَجه مَا أَو وصفناه بِالْعقلِ فِي شَيْء مَا ثمَّ نَفينَا عَنهُ الصِّفَات فِي وَجه آخر للزمنا حَيْثُ وصفناه بِشَيْء مِنْهَا نفي ضدها وللزمنا حَيْثُ نَفينَا عَنهُ ضدها أَن نثبتها لَهُ وَلَا بُد كَمَا فعلنَا فِي الرَّحْمَة والسخط فإننا إِذا وصفناه بِالرَّحْمَةِ لأبي بكر الصّديق فقد نَفينَا عَنهُ عز وَجل السخط عَلَيْهِ وَإِذا نَفينَا عَنهُ الرَّحْمَة لأبي جهل فقد أثبتنا لَهُ بذلك السخط عَلَيْهِ وَهَذَا برهَان ضَرُورِيّ فَإِن موه مموه فَقَالَ ألستم تَقولُونَ أَن الله تَعَالَى لَا يعلم الْحَيّ مَيتا فَهَل تثبتون لَهُ بِنَفْي الْعلم هَا هُنَا الْجَهْل قُلْنَا لَهُ وَهَذَا أَيْضا تمويه آخر بل أَوجَبْنَا لَهُ بذلك الْعلم حَقًا لأننا إِذا نَفينَا عَنهُ الْعلم مَا الْأَشْيَاء فقد أثبتنا لَهُ تَعَالَى الْعلم بِحَقِيقَة مَا الْأَشْيَاء وَهل هَا هُنَا شَيْء يجهل أصلا وَإِنَّمَا الْجَهْل بِشَيْء حق الْجَاهِل بِهِ فَقَط
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد قُلْنَا لمن ناظرنا مِنْهُم أَنكُمْ تنسبون لله تَعَالَى علما لم يزل فأخبرونا هَل يقدر الله تَعَالَى على أَن يُمِيت الْيَوْم من علم أَنه لَا يميته إِلَّا غَدا وَهل يقدر ربكُم على أَن يزِيل الْآن بنية عَن مَكَان قد علم أَنَّهَا لَا تَزُول عَنهُ إِلَّا غَدا وعَلى رَحْمَة من مَاتَ مُشْركًا مَعَ قَوْله تَعَالَى إِنَّه لَا يرحمه أصلا أم لَا يقدر على ذَلِك فَقَالَ لنا مِنْهُم قَائِل أَن الله تَعَالَى قَادر على ذَلِك فَقُلْنَا لَهُ قد أقررتم أَنه يقدر على إحاطة علمه الَّذِي لم يزل وعَلى تَكْذِيب كَلَامه وَهَذَا إبِْطَال قَوْلكُم صراحاً وَقَالَ مِنْهُم قَائِلُونَ أَنه تَعَالَى قَادر على ذَلِك وَلَو فعله لَكَانَ قد سبق فِي علمه أَنه سَيكون كَمَا فعل فَقُلْنَا لَهُم لم نسألكم إِلَّا هَل يقدر على ذَلِك مَعَ تقدم علمه أَنه لَا يكون فضجروا هَا هُنَا وانقطعوا ولجأ بَعضهم إِلَى الْقطع بقول على الأسواري فِي أَنه لَا يقدر على ذَلِك فَقُلْنَا لَهُم إِذا كَانَ تَعَالَى لَا يقدر على شَيْء غير مَا فعل وَلَا على نقل بنية عَن موضعهَا فَهُوَ إِذا مُضْطَر مجبر أَو ذُو طبيعة جَارِيَة على سنَن وَاحِد نعم وَيلْزم الأسواري وَمن قَالَ بقوله إِن استطاعة الله لَيست قبل فعله الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هِيَ مَعَ فعله وَلَا بُد لِأَنَّهُ لَو كَانَ مستطيعاً قبل الْفِعْل لَكَانَ قَادِرًا على أَن يفعل فِي الْوَقْت الَّذِي علم أَنه لَا يفعل فِيهِ وَهَذَا خلاف قَوْله نصا وَهُوَ يَقُول إِن الْإِنْسَان

الصفحة 142