كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 2)

مِلَّته وَلَا يظْهر دينه وكل من ظفر بِهِ مِنْهُم قتل إِمَّا بِالْحِجَارَةِ كَمَا قتل يَعْقُوب بن يُوسُف النجار واشطين الَّذِي يسمونه بكر الشُّهَدَاء وَغَيره وَإِمَّا صلب كَمَا صلب باطرة وأندرياس أَخُوهُ وشمعون أَخُو يُوسُف النجار وفليش وبولس وَغَيرهم أَو قتلوا بِالسَّيْفِ كَمَا قتل يَعْقُوب أَخُو يوحنا وطومار وبرتلوما ويهوذا بن يُوسُف النجار وَمَتى أَو بالسم كَمَا قتل يوحنا ابْن سيذاي فبقوا على هَذِه الْحَالة لَا يظهرون الْبَتَّةَ وَلَا لَهُم مَكَان يأمنون فِيهِ مُدَّة ثَلَاثمِائَة سنة بعد رفع الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي خلال ذَلِك ذهب الْإِنْجِيل الْمنزل من عِنْد الله عز وَجل إِلَّا فصولا يسيرَة أبقاها الله تَعَالَى حجَّة عَلَيْهِم وخزياً لَهُم فَكَانُوا كَمَا ذكرنَا إِلَى أَن تنصر قسطنطين الْملك فَمن حِينَئِذٍ ظهر النَّصَارَى وكشفوا دينهم واجتمعوا وآمنوا وَكَانَ سَبَب تنصره أَن أمه هلاني كَانَت بنت نَصْرَانِيّ فعشقها أَبوهُ وَتَزَوجهَا فَولدت لَهُ قسطنطين فربته على النَّصْرَانِيَّة سرا فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ وَولي هُوَ أظهر النَّصْرَانِيَّة بعد أَعْوَام كَثِيرَة من ولَايَته وَمَعَ ذَلِك فَمَا قدر على إظهارها حَتَّى رَحل عَن رُومِية مسيرَة شهر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وبناها وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّمَا كَانَ أديوسيا هُوَ وَابْنه بعده يَقُولَانِ إِن الْمَسِيح عبد مَخْلُوق نَبِي الله تَعَالَى فَقَط وكل دين كَانَ هَكَذَا فمحال أَن يَصح فِيهِ نقل مُتَّصِل لِكَثْرَة الدواخل الْوَاقِعَة فِيمَا لَا يُؤْخَذ الإسرا تَحت السَّيْف لَا يقدر أَهله على حمايته وَلَا على الْمَنْع من تبديله ثمَّ لما ظهر دينهم بتنصر قسطنطين كَمَا ذكرنَا فَشَا فيهم دُخُول ألمانية بَغْتَة وَكَانَ فيهم غير مانية مداسون عَلَيْهِم فأمكنهم بِهَذَا أَن يُدْخِلُوهُمْ من الضلال فِيمَا أَحبُّوا وَلَا تمكنوا الْبَتَّةَ أَن ينْقل أحد عَن شَمْعُون باطرة وَلَا عَن يوحنا وَلَا عَن مَتى وَلَا عَن مارقش وَلَا عَن لوقا وَلَا عَن بولس آيَة ظَاهِرَة وَلَا معْجزَة باهرة لما ذكرنَا من أَنهم كَانُوا مستترين مختفين مظاهرين بدين الْيَهُود من الْتِزَام السبت وَغَيره طول حياتهم إِلَى أَن ظفر بهم فَقتلُوا فَكلما تضيفه النَّصَارَى إِلَى هَؤُلَاءِ من المعجزات فأكذوبات مَوْضُوعَة لَا يعجز عَن ادِّعَاء مثلهَا أحد كَالَّذي تَدعِي الْيَهُود لأحبارهم ورؤس مثانيهم وكالذي تدعيه ألمانية لماني سَوَاء بِسَوَاء وكالذي تدعيه الروافض لمن يعظمون وكالذي تدعيه طوائف من الْمُسلمين لقوم صالحين كإبراهيم بن أدهم وَأبي مُسلم الْخَولَانِيّ وشيبان الرَّاعِي وَغَيرهم وكل هَذَا كذب وإفك وتوليد لِأَن كل من ذكرنَا فَإِنَّمَا نَقله رَاجع إِلَى من لَا يدْرِي وَلَا يقوم بِكَلَامِهِ حجَّة وَلَا صَحَّ برهَان سَمْعِي وَلَا عَقْلِي يصدقهُ وَهَكَذَا كَانَ أَصْحَاب ماني مَعَ ماني إِلَّا أَنه ظهر نَحْو ثَلَاثَة أشهر إِذْ مكر بِهِ بهْرَام بن بهْرَام الْملك وأوهمه أَنه قد آمن بِهِ حَتَّى ظفر بِجَمِيعِ أَصْحَابه فصلب ماني وصلبهم كلهم إِلَى لعنة الله فَكل معْجزَة لم تنقل نقلا يُوجب الْعلم الضَّرُورِيّ كَافَّة عَن كَافَّة حَتَّى يبلغ إِلَى الْمُشَاهدَة فالحجة لَا تقوم بهَا على أحد وَلَا يعجز عَن توليدها من لَا تقوم لَهُ

الصفحة 5