كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 3)

مُؤْمِنَانِ ومُوسَى وَمُحَمّد كَافِرَانِ فَإِذا قيل لَهُ فِي ذَلِك قَالَ أَو لَيْسَ أَبُو جهل وَفرْعَوْن مُؤمنين بالْكفْر وَمُحَمّد ومُوسَى كَافِرَانِ بالطاغوت فَهَذَا وَإِن كَانَ لكَلَامه مخرج فَهُوَ عِنْد أهل الْإِسْلَام كَافِر لتعديه مَا أوجبته الشَّرِيعَة من التَّسْمِيَة وَقد شهِدت الْعُقُول بِوُجُوب الْوُقُوف عِنْد مَا أوجبه الله تَعَالَى فِي دينه فَمن عد عَن ذَلِك وَزعم أَنه اتبع دَلِيل عقله فِي خلاف ذَلِك فَليعلم أَنه فَارق قَضِيَّة الْعقل الصادقة الْمُوجبَة للوقوف عِنْد حكم الشَّرِيعَة وَخَالف الْمُؤمنِينَ وَاتبع غير سبيلهم قَالَ تَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً} نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك
قَالَ أَبُو مُحَمَّد قَالَ بَعضهم فَإِذا سمعنَا نَحن كَلَام الله تَعَالَى وسَمعه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَأَي فرق بَينه وبيننا قُلْنَا أعظم الْفرق وَهُوَ أَن مُوسَى وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام سمعُوا الله تَعَالَى يكلمهم وَنحن سمعنَا كَلَام الله تَعَالَى من غَيره وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإبن مَسْعُود إِذْ أمره أَن يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن فَقَالَ لَهُ ابْن مَسْعُود يَا رَسُول الله اقْرَأ عَلَيْك وَعَلَيْك أنزل قَالَ إِنِّي أحب أَن أسمعهُ من غَيْرِي فصح يَقِينا أَن الْقُرْآن الَّذِي أنزلهُ الله تَعَالَى نَفسه فَسَمعهُ من غَيره وَقَالُوا فَكَلَام الله تَعَالَى إِذا يحل فِينَا قُلْنَا هَذَا تهويل بَارِد وَنعم إِذا سمى الله تَعَالَى كلامنا إِذا قَرَأنَا كلَاما لَهُ تَعَالَى فَنحْن نقُول بذلك ونقول أَن كَلَام الله فِي صدورنا وجار على ألسنتنا ومستقر فِي مَصَاحِفنَا ونبرأ مِمَّن أنكر ذَلِك بقوله الْفَاسِد الْمخْرج لَهُ عَن الْإِسْلَام ونعوذ بِاللَّه من الخذلان
الْكَلَام فِي إعجاز الْقُرْآن
قَالَ أَبُو مُحَمَّد قد ذكرنَا قيام الْبُرْهَان عَن أَن الْقُرْآن معجز قد أعجز الله عَن مثله نظمه جَمِيع الْعَرَب وَغَيرهم من الْإِنْس وَالْجِنّ بتعجيز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل من ذكرنَا عَن أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ وتبكيتهم بذلك فِي محافلهم وَهَذَا أَمر لَا يُنكره أحد مُؤمن وَلَا كَافِر وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك ثمَّ اخْتلف أهل الْكَلَام فِي خَمْسَة أنحاء من هَذِه المسالة فالنحو الأول قَول رُوِيَ عَن الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ أَن المعجز الَّذِي تحدى النَّاس بالمجيء بِمثلِهِ هُوَ الَّذِي لم يزل مَعَ الله تَعَالَى وَلم يُفَارِقهُ قطّ وَلَا نزل إِلَيْنَا وَلَا سمعناه وَهَذَا كَلَام فِي غَايَة النُّقْصَان والبطلان إِذا من الْمحَال أَن يُكَلف أحد أَن يَجِيء بِمثل لما لم يعرفهُ قطّ وَلَا سَمعه وَأَيْضًا فَيلْزمهُ وَلَا بديل هُوَ نفس قَوْله أَنه إِذا لم يكن المعجز إِلَّا ذَلِك فَإِن المسموع المتلو عندنَا لَيْسَ معجزاً بل مَقْدُورًا على مثله وَهَذَا كفر مُجَرّد لَا خلاف فِيهِ لأحد فَإِنَّهُ خلاف لِلْقُرْآنِ لِأَن الله تَعَالَى ألزمهم بِسُورَة أَو عشر سور مِنْهُ وَذَلِكَ الْكَلَام الَّذِي هُوَ عِنْد الْأَشْعَرِيّ هُوَ المعجز لَيْسَ لَهُ سوراً وَلَا كثيرا بل هُوَ وَاحِد فَسقط هَذَا القَوْل وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَله قَول كَقَوْل جَمِيع الْمُسلمين إِن هَذَا المتلو هُوَ المعجز والنحو الثَّانِي هَل الإعجاز متماد أم قد ارْتَفع بِتمَام قيام الْحجَّة بِهِ فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بعض أهل الْكَلَام أَن الْحجَّة قد قَامَت بعجز جَمِيع الْعَرَب عَن معارضته وَلَو عورض الْآن لم تبطل بذلك الْحجَّة الَّتِي قد صحت كَمَا أَن عصى مُوسَى إِذْ قَامَت حجَّته بانقلابها حَيَّة لم يضرّهُ وَلَا أسقط حجَّته عودهَا عَصا كَمَا كَانَت وَكَذَلِكَ خُرُوج يَده بَيْضَاء من جيبه ثمَّ عودهَا كَمَا كَانَت وَكَذَلِكَ سَائِر الْآيَات وَقَالَ جُمْهُور أهل الْإِسْلَام أَن الإعجاز بَاقٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَالْآيَة بذلك بَاقِيَة أبدا كَمَا كَانَت
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا هُوَ الْحق الَّذِي لَا يحل القَوْل بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَص قَول الله تَعَالَى إِذْ

الصفحة 10