كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 3)

لِلْإِسْلَامِ فهم لَا مَعَ الْكفَّار وَلَا مِنْهُم وَلَا إِلَيْهِم لِأَن هَؤُلَاءِ يظهرون الْإِسْلَام وَأُولَئِكَ لَا يظهرونه وَلَا هم مَعَ الْمُسلمين وَلَا مِنْهُم وَلَا إِلَيْهِم لإبطانهم الْكفْر وَلَيْسَ فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ أَنهم لَيْسُوا كفَّارًا وَقد قَالَ عز وَجل {وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} فصح يَقِينا أَنهم كفار لَا مُؤمنُونَ أصلا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَيُقَال لمن قَالَ أَن صَاحب الْكَبِيرَة مُنَافِق مَا معنى هَذِه الْكَلِمَة فجوابهم الَّذِي لَا جَوَاب لأحد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة غَيره هُوَ أَن الْمُنَافِق من كَانَ النِّفَاق صفته وَمعنى النِّفَاق فِي الشَّرِيعَة هُوَ إِظْهَار الْإِيمَان وإبطان الْكفْر فَيُقَال لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق لَا يعلم مَا فِي النَّفس إِلَّا الله تَعَالَى ثمَّ تِلْكَ النَّفس الَّتِي ذَلِك الشَّيْء فِيهَا فَقَط وَلَا يجوز أَن نقطع على اعْتِقَاد أحد الْكفْر إِلَّا بِإِقْرَارِهِ بِلِسَانِهِ بالْكفْر وبوحي من عِنْد الله تَعَالَى وَمن تعاطى علم مَا فِي النُّفُوس فقد تعاطى علم الْغَيْب وَهَذَا خطأ مُتَيَقن يعلم بِالضَّرُورَةِ وحسبك من القَوْل سقوطاً أَن يُؤَدِّي إِلَى الْمحَال الْمُتَيَقن وَقد قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رب مصل يَقُول بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قلبه فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنِّي لم أبْعث لأشق عَن قُلُوب النَّاس وَقد ذكر الله تَعَالَى الْمُنَافِقين فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ} {لَا تعلمهمْ نَحن نعلمهُمْ} فَإِذا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يعرف الْمُنَافِقين وهم مَعَه وَهُوَ يراهم ويشاهد أفعالهم فَمن بعده أَحْرَى أَن لَا يعلمهُمْ وَلَقَد كَانَ الزناة على عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّرِقَة وشراب الْخمر ومضيعوا فرض الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة والقاتلون عمدا والقذفة فَمَا سمى عَلَيْهِ السَّلَام قطّ أحدا مِنْهُم منافقين بل أَقَامَ الْحُدُود فِي ذَلِك وتوعد بحرق الْمنَازل وَأمر لَدَيْهِ وَالْعَفو وأبقاهم فِي جملَة الْمُؤمنِينَ وَأبقى عَلَيْهِم حكم الْإِيمَان وَاسِعَة وَقد قُلْنَا إِن التَّسْمِيَة فِي الشَّرِيعَة لله عز وَجل لَا لأحد دونه وَلم يَأْتِ قطّ عَن الله عز وَجل تَسْمِيَة صَاحب الْكَبِيرَة منافقاً فَإِن قَالُوا قد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ وَقد ذكر خِصَالًا من كن فِيهِ كَانَ منافقاً خَالِصا وَإِن صَامَ وَصلى وَقَالَ إِنِّي مُسلم وَذكر عَلَيْهِ السَّلَام تِلْكَ الْخِصَال فَمِنْهَا إِذا حدث كذب وَإِذا وعد أخلف وَإِذا ائْتمن خَان وَإِذا عَاهَدَ غدر وَإِذا خَاصم فجر وَذكر عَلَيْهِ السَّلَام أَن من كَانَت بِهِ خصْلَة مِنْهُنَّ كَانَت فِيهِ خصْلَة من النِّفَاق حَتَّى يَدعهَا قُلْنَا لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أخبرناك أَن الْمُنَافِق هُوَ من أظهر شَيْئا وأبطن خِلَافه مَأْخُوذ فِي أصل اللُّغَة من نافقاء اليربوع وَهُوَ بَاب فِي جَانب جُحْره مَفْتُوح قد غطاه بِشَيْء من تُرَاب وَهَذِه الْخلال كلهَا الَّتِي ذكرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهَا بَاطِن صَاحبهَا بِخِلَاف مَا يظْهر فَهُوَ مُنَافِق هَذَا النَّوْع من النِّفَاق وَلَيْسَ هُوَ النِّفَاق الَّذِي يظنّ صَاحبه الْكفْر بِاللَّه برهَان ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا من إِجْمَاع الْأمة على أَخذ زَكَاة مَال كل من وصف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنفاق وعَلى إنكاحه ونكاحها إِن كَانَت امْرَأَة وموارثته وَأكل ذَبِيحَته وَتَركه يُصَلِّي مَعَ الْمُسلمين وعَلى تَحْرِيم دَمه وَمَاله وَلَو تَيَقنا أَنه يبطن الْكفْر لوَجَبَ قَتله وَحرم إنكاحه ونكاحها وموارثته وَأكل ذَبِيحَته وَلم نتركه يُصَلِّي مَعَ الْمُسلمين وَلَكِن تَسْمِيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكر منافقاً كتسمية الله عز وَجل الذِّرَاع كفَّارًا إِذْ يَقُول تَعَالَى {كَمثل غيث أعجب الْكفَّار نَبَاته} لِأَن أصل الْكفْر فِي اللُّغَة التغطية فَمن ستر شَيْئا فَهُوَ كَافِر وأصل النِّفَاق فِي اللُّغَة سترشيء وَإِظْهَار خِلَافه فَمن ستر شَيْئا وَأظْهر خِلَافه فَهُوَ مُنَافِق فِيهِ وَلَيْسَ هَذَانِ من الْكفْر الديني وَلَا من النِّفَاق الشَّرْعِيّ فِي شَيْء وَبِهَذَا تتألف الْآيَات وَالْأَحَادِيث كلهَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق ثمَّ نقُول لمن قَالَ بِهَذَا القَوْل هَل أتيت بكبيرة قطّ فَإِن قَالَ لَا قيل لَهُ هَذَا القَوْل كَبِيرَة

الصفحة 136