كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 3)

وَأَيْضًا فَيلْزمهُ أَن يُسَمِّيه تَعَالَى شماماً لنفي الخشم عَنهُ ومتحركاً لنفي الخدر وَهَذَا كُله إلحاد فِي أَسْمَائِهِ عز وَجل لَكِن لما قَالَ الله تَعَالَى أَن لَهُ كلا مَا قُلْنَاهُ وأقررنا بِهِ وَلَو لم يقلهُ عز وَجل لم يحل لأحد أَن بقوله وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلما كَانَ اسْم الْقُرْآن يَقع على خَمْسَة أَشْيَاء وقوعاً مستوياً صَحِيحا مِنْهَا أَرْبَعَة مخلوقة وَوَاحِد غير مَخْلُوق لم يجز الْبَتَّةَ لأحد أَن يَقُول إِن الْقُرْآن مَخْلُوق وَلَا أَن يُقَال إِن كَلَام الله مَخْلُوق لِأَن قَائِل هَذَا كَاذِب إِذْ أوقع صفة الْخلق على مَا لَا يَقع عَلَيْهِ مِمَّا يَقع عَلَيْهِ اسْم قُرْآن وَاسم كَلَام الله عز وَجل وَوَجَب ضَرُورَة أَن يُقَال أَن الْقُرْآن لَا خَالق لَهُ وَلَا مَخْلُوق وَأَن كَلَام الله تَعَالَى لَا خَالق وَلَا مَخْلُوق لِأَن الْأَرْبَعَة المسميات مِنْهُ لَيست خالقة وَلَا يجوز أَن نطلق على الْقُرْآن وَلَا على كَلَام الله تَعَالَى اسْم خَالق وَلِأَن الْمَعْنى الْخَامِس غير مَخْلُوق وَلَا يجوز أَن تُوضَع صفة الْبَعْض على الْكل الَّذِي لَا تعمه تِلْكَ الصّفة بل وَاجِب أَن يُطلق نفي تِلْكَ الصّفة الَّتِي للْبَعْض على الْكل وكذاك لَو قَالَ قَائِل أَن الْأَشْيَاء كلهَا مخلوقة أَو قَالَ للحق مَخْلُوق أَو قَالَ كل مَوْجُود مَخْلُوق لقَالَ الْبَاطِل لِأَن الله تَعَالَى شَيْء مَوْجُود حق لَيْسَ مخلوقاً لَكِن إِذا قَالَ الله تَعَالَى خَالق كل شَيْء جَازَ ذَلِك لِأَنَّهُ قد أخرج بِذكر الله تَعَالَى أَن الْمَخْلُوق فِي كَلَامه الأشكال وَمِثَال ذَلِك فِيمَا بَيْننَا أَن ثيابًا خَمْسَة الْأَرْبَعَة مِنْهَا حمر وَالْخَامِس غير أَحْمَر لَكَانَ من قَالَ هَذِه الثِّيَاب حمر كَاذِبًا ولكان من قَالَ هَذِه الثِّيَاب لَيست حمراً صَادِقا وَكَذَلِكَ من قَالَ الْإِنْسَان طَبِيب يَعْنِي كل إِنْسَان لَكَانَ كَاذِبًا وَلَو قَالَ لَيْسَ الْإِنْسَان طَبِيبا يَعْنِي كل إِنْسَان لَكَانَ صَادِقا وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن يُطلق أَن الْحق مَخْلُوق وَلَا أَن الْعلم مَخْلُوق لِأَن اسْم الْحق يَقع على الله تَعَالَى وعَلى كل مَوْجُود وَاسم الْعلم يَقع على كل علم وعَلى علم الله عز وَجل وَهُوَ غير مَخْلُوق لَكِن يُقَال الْحق غير مَخْلُوق وَالْعلم غير مَخْلُوق هَكَذَا جملَة وَإِذا بَين فَقيل كل حق دون الله تَعَالَى فَهُوَ مَخْلُوق وكل علم دون الله تَعَالَى فَهُوَ مَخْلُوق فَهُوَ كَلَام صَحِيح وَهَكَذَا أَلا يجوز أَن يُقَال أَن كَلَام الله مَخْلُوق وَلَا أَن الْقُرْآن مَخْلُوق وَلَكِن يُقَال علم الله غير مَخْلُوق وَكَلَام الله غير مَخْلُوق وَالْقُرْآن غير مَخْلُوق وَلَو أَن قَائِلا قَالَ إِن الله مَخْلُوق وَهُوَ يَعْنِي صَوته المسموع أَو الْألف وَاللَّام وَالْهَاء أَو الحبر الَّذِي كتبت هَذِه الْكَلِمَة بِهِ لَكَانَ فِي ظَاهر قَوْله عِنْد جَمِيع الْأمة كَافِرًا مَا لم يبين فَيَقُول صوتي أَو هَذَا الْخط مَخْلُوق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ حَقِيقَة الْبَيَان فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الَّذِي لم نتعهد فِيهِ مَا قَالَه الله عز وَجل وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأجمعت الْأمة كلهَا على جملَته وأوجبته الضَّرُورَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين فَإِن سَأَلَ سَائل عَن اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ قُلْنَا لَهُ سؤالك هَذَا يَقْتَضِي أَن اللَّفْظ المسموع هُوَ غير الْقُرْآن وَهَذَا بَاطِل بل اللَّفْظ المسموع هُوَ الْقُرْآن نَفسه وَهُوَ كَلَام الله عز وَجل نَفسه كَمَا قَالَ تَعَالَى {حَتَّى يسمع كَلَام الله} وَكَلَام الله تَعَالَى غير مَخْلُوق لما ذكرنَا وَأما من أفرد السُّؤَال عَن الصَّوْت وحروف الهجا والحبر فَكل ذَلِك مَخْلُوق بِلَا شكّ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ونقول أَن الله تَعَالَى قد قَالَ مَا أخبرنَا أَنه قَالَه وَأَنه تَعَالَى لم يقل بعد مَا أخبرنَا أَنه سَيَقُولُ فِي المستأنف وَلَكِن سيقوله وَمن تعدى هَذَا فقد كذب الله جهلا وَأما من قَالَ أَن الله تَعَالَى لم يزل قَائِلا كن لكل مَا كَونه أَو يُرِيد تكوينه فَإِن هَذَا قَول فَاحش مُوجب أَن الْعَالم لم يزل لِأَن الله تَعَالَى أخبرنَا أَنه تَعَالَى {إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون}

الصفحة 7