كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

لَا شكّ فِيهِ أَنه لم يكن سُجُود عبَادَة وَلَا تذلل وَإِنَّمَا كَانَ سُجُود كَرَامَة فَقَط بِلَا شكّ وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام للَّذي كَانَ مَعَه فِي السجْن اذْكُرْنِي عِنْد رَبك فَمَا علمنَا الرَّغْبَة فِي الانطلاق من السجْن محظورة على أحد وَلَيْسَ فِي قَوْله ذَلِك دَلِيل على أَنه أغفل الدُّعَاء إِلَى الله عز وَجل لكنه رغب هَذَا الَّذِي كَانَ مَعَه فِي السجْن فِي فعل الْخَيْر وحضه عَلَيْهِ وَهَذَا فرض من وَجْهَيْن أَحدهمَا وجوب السَّعْي فِي كف الظُّلم عَنهُ وَالثَّانِي دعاؤه إِلَى الْخَيْر والحسنات وَأما قَوْله تَعَالَى {فأنساه الشَّيْطَان ذكر ربه} فَالضَّمِير الَّذِي فِي أنساه وَهُوَ الْهَاء رَاجع إِلَى الْفَتى الَّذِي كَانَ مَعَه فِي السجْن أَي أَن الشَّيْطَان أنساه أَن يذكر ربه أَمر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون أنساه الشَّيْطَان ذكر الله تَعَالَى وَلَو ذكر الله عز وَجل لذكر حَاجَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وبرهان ذَلِك قَول الله عز وَجل {وادكر بعد أمة} فصح يَقِينا أَن الْمَذْكُور بعد أمة هُوَ الَّذِي أنساه الشَّيْطَان ذكر ربه حَتَّى تذكر وَحَتَّى لَو صَحَّ أَن الضَّمِير من أنساه رَاجع إِلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لما كَانَ فِي ذَلِك نقص وَلَا ذَنْب إِذْ مَا كَانَ بِالنِّسْيَانِ فَلَا يبعد عَن الْأَنْبِيَاء وَأما قَوْله هَمت بِهِ وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه فَلَيْسَ كَمَا ظن من لم يمعن النّظر حَتَّى قَالَ من الْمُتَأَخِّرين من قَالَ أَنه قعد مِنْهَا مقْعد الرجل من الْمَرْأَة ومعاذ الله من هَذَا أَن يظنّ بِرَجُل من صالحي الْمُسلمين أَو مستوريهم فَكيف برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَط فَإِن قيل أَن هَذَا قد روى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ من طَرِيق جَيِّدَة الْإِسْنَاد قُلْنَا نعم وَلَا حجَّة فِي قَول أحد إِلَّا فِيمَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَط وَالوهم فِي تِلْكَ الرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ بِلَا شكّ عَمَّن دون ابْن عَبَّاس أَو لَعَلَّ ابْن عَبَّاس لم يقطع بذلك إِذْ إِنَّمَا أَخذه عَمَّن لَا يدْرِي من هُوَ وَلَا شكّ فِي أَنه شَيْء سَمعه فَذكره لِأَنَّهُ رَضِي الله عَنهُ لم يحضر ذَلِك وَلَا ذكره عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومحال أَن يقطع ابْن عَبَّاس بِمَا لَا علم لَهُ بِهِ لَكِن معنى الْآيَة لَا يعدو أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَنه هم بالايقاع بهَا وضربها كَمَا قَالَ تَعَالَى وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وكما يَقُول الْقَائِل لقد هَمت بك لكنه عَلَيْهِ السَّلَام امْتنع من ذَلِك ببرهان أرَاهُ الله إِيَّاه اسْتغنى بِهِ عَن ضربهَا وَعلم أَن الْفِرَار أجدى عَلَيْهِ وَأظْهر لبراءته على مَا ظهر بعد ذَلِك من حكم الشَّاهِد بِأَمْر الْقد من الْقَمِيص وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الْكَلَام تمّ عِنْد قَوْله وَلَقَد هَمت بِهِ ثمَّ ابْتَدَأَ تَعَالَى خَبرا آخر فَقَالَ وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه وَهَذَا ظَاهر الْآيَة بِلَا تكلّف تَأْوِيل وَبِهَذَا نقُول حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الطلمنكي حَدثنَا ابْن عون الله أَنبأَنَا إِبْرَاهِيم ابْن أَحْمد بن فراس حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَالم النَّيْسَابُورِي أَنا اسحق بن رَاهْوَيْةِ أَنا المؤمل ابْن إِسْمَاعِيل الْحِمْيَرِي حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ جِبْرِيل يَا يُوسُف اذكر همك

الصفحة 10