كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ كَافِرًا عَدو الله لم يصطفه الله تَعَالَى إِلَّا لدُخُول النَّار فَإِن أَرَادَ الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا لم نمانعه وَلَا تنازعه فِي أَن مُوسَى وَهَارُون من آل عمرَان وَآل إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق ويوسف وَيَعْقُوب من آل إِبْرَاهِيم مصطفون على الْعَالمين فَأَي حجَّة هَا هُنَا لبني هَاشم فَإِن ذكرُوا الدُّعَاء الْمَأْمُور بِهِ وَهُوَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى مُحَمَّد فَالْقَوْل فِي هَذَا كَمَا قُلْنَا وَلَا فرق وَهَذَا دُعَاء لكل مُؤمن وَقد قَالَ تَعَالَى {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا وصل عَلَيْهِم إِن صَلَاتك سكن لَهُم} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ صلي على آل أبي أوفي فَهَذَا هُوَ الدُّعَاء لَهُم بِالصَّلَاةِ على كل مُؤمن ومؤمنة بِلَا خلاف وَكَذَلِكَ الدُّعَاء فِي التَّشَهُّد المفترض فِي كل صَلَاة من قَول الْمُصْطَفى السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين فَهَذَا السَّلَام على كل مُؤمن ومؤمنة فَاسْتَوَى بَنو هَاشم وَغَيرهم فِي اطلاق الدُّعَاء بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِم وبالسلام عَلَيْهِم وَلَا فرق وَقَالَ تَعَالَى {وَبشر الصابرين الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون} فَوَجَبت صلوَات الله تَعَالَى على كل مُؤمن صابر فَاسْتَوَى كُله بَنو هَاشم وقريش وَالْعرب والعجم وَمن كَانَ جَمِيعهم بِهَذِهِ الصّفة وَأَيْضًا فَيلْزم من احْتج بقوله تَعَالَى {إِن الله اصْطفى آدم ونوحا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان على الْعَالمين} أَن يَقُول إِن من أسلم من الهارونيين من الْيَهُود أفضل من بني هَاشم وأشرف وَأولى بالتقديم لِأَنَّهُ من آل عمرَان وَمن آل إِبْرَاهِيم وَفِيهِمْ ورد النَّص
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فصح يَقِينا أَن الله عز وَجل إِنَّمَا أَرَادَ بذلك الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَقَط وَبَين هَذَا بَيَان جلياً قَول الله عز وَجل حاكياً عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ {وَمن ذريتي قَالَ لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} وَمن ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الظَّالِمين من ذُرِّيَّة غَيره وَقَالَ عز وَجل أَن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا النَّبِي وَالَّذين آمنُوا فَخص الله تَعَالَى بِولَايَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من اتبع إِبْرَاهِيم كَائِنا من كَانَ فَدخل فِي هَذَا كل مُؤمن ومؤمنة وَلَا فضل وَأما قَول الله عز وَجل {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} فَهَذَا حق على ظَاهره وَإِنَّمَا أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَام من قُرَيْش أَن يودوه لِقَرَابَتِهِ مِنْهُم وَلَا يخْتَلف أحد من الْأمة فِي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يرد قطّ من الْمُسلمين أَن يودوا أَبَا لَهب وَهُوَ عَمه وَلَا شكّ فِي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ من الْمُسلمين مَوَدَّة بِلَال وعمار وصهيب وَسليمَان وَسَالم مولي أبي حُذَيْفَة وَأما قَوْله عز وَجل عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {وأبعث فيهم رَسُولا مِنْهُم} فقد قَالَ عز وَجل {وَأَن من أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم} فاستوت الْأُمَم كلهَا فِي هَذِه الدعْوَة بِأَن يبْعَث فيهم رَسُولا مِنْهُم مِمَّن هم قومه فَإِن احْتج مُحْتَج بِالْحَدِيثِ الثَّابِت الَّذِي فِيهِ أَن الله اصْطفى كنَانَة من ولد إِسْمَاعِيل وَاصْطفى قُريْشًا من كنَانَة وَاصْطفى من قُرَيْش بني هَاشم وَاصْطَفَانِي من بَين هَاشم فَمَعْنَاه ظَاهر وَهُوَ أَنه تَعَالَى اخْتَار كَونه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من بني هَاشم وَكَون بني هَاشم من قُرَيْش وَكَون قُرَيْش من كنَانَة وَكَون كنَانَة من بني إِسْمَاعِيل كَمَا اصْطفى أَن يكون مُوسَى من بني لاوي وَأَن يكون بَنو لاوي من بني إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام وكل نَبِي من عشيرته الَّتِي هُوَ مِنْهَا وَلَا يجوز غير هَذَا الْبَتَّةَ ونسأل من أَرَادَ حمل هَا الحَدِيث على غير هَذَا لِمَعْنى أَيَدْخُلُ أحد من بني هَاشم أَو من قُرَيْش أَو من كنَانَة أَو من إِسْمَاعِيل النَّار أم لَا فَإِن أَنْكَرُوا هَذَا

الصفحة 118