كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

نَبِي وَلَا من مذنب وَلَا من غير مذنب فالنبي يسْتَغْفر الله لمذنبي أهل الأَرْض وَالْمَلَائِكَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا رَبنَا وسعت كل شَيْء رَحْمَة وعلما فَأغْفِر للَّذين تَابُوا وَاتبعُوا سَبِيلك وقهم عَذَاب الْجَحِيم} وَأما قَوْله تَعَالَى عَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام {وَظن دَاوُد إِنَّمَا فتناه} وَقَوله تَعَالَى {فغفرنا لَهُ ذَلِك} فقد ظن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَن يكون مَا أَتَاهُ الله عز وَجل من سَعَة الْملك الْعَظِيم فتْنَة فقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو فِي أَن يثبت الله قلبه على دينه فأستغفر الله تَعَالَى من هَذَا الظَّن فغفر الله تَعَالَى لَهُ هَذَا الظَّن إِذْ لم يكن مَا أَتَاهُ الله تَعَالَى من ذَلِك فتْنَة.
الْكَلَام فِي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
وَذكروا قَول الله عز وَجل عَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسداً ثمَّ أناب} .
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَا حجَّة لَهُم فِي هَذَا إِذْ معنى قَوْله تَعَالَى فتنا سُلَيْمَان أَي أتيناه من الْملك مَا أختبرنا بِهِ طَاعَته كَمَا قَالَ تَعَالَى مُصدقا لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله تَعَالَى {إِن هِيَ إِلَّا فتنتك تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء} إِن من الْفِتْنَة من يهدي الله من يَشَاء وَقَالَ تَعَالَى {ألم أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم فليعلمن الله الَّذين صدقُوا وليعلمن الْكَاذِبين} فَهَذِهِ الْفِتْنَة هِيَ الاختبار حَتَّى يظْهر الْمُهْتَدي من الضال فَهَذِهِ فتْنَة الله تَعَالَى لِسُلَيْمَان إِنَّمَا هِيَ اختباره حَتَّى ظهر فَضله فَقَط وَمَا عدا هَذَا فخرافات وَلَدهَا زنادقة الْيَهُود وأشباههم وَأما الْجَسَد الْملقى على كرسيه فقد أصَاب الله تَعَالَى بِهِ مَا أَرَادَ نؤمن بِهَذَا كَمَا هُوَ ونقول صدق الله عز وَجل كل من عِنْد الله رَبنَا وَلَو جَاءَ نَص صَحِيح فِي الْقُرْآن أَو عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتفسير هَذَا الْجَسَد مَا هُوَ لقلنا بِهِ فَإِذا لم يَأْتِ بتفسيره مَا هُوَ نَص وَلَا خبر صَحِيح فَلَا يحل لأحد القَوْل بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ أكذب الحَدِيث فِي ذَلِك فَيكون كَاذِبًا على الله عز وَجل إِلَّا أننا لَا نشك الْبَتَّةَ فِي بطلَان قَول من قَالَ أَنه كَانَ جنيا تصور بصورته بل نقطع على أَنه كذب وَالله تَعَالَى لَا يهتك ستر رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الهتك وَكَذَلِكَ نبعد قَول من قَالَ أَنه كَانَ ولدا لَهُ أرْسلهُ إِلَى السَّحَاب ليربيه فسليمان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أعلم من أَن يُربي ابْنه بِغَيْر مَا طبع الله عز وَجل بنية الْبشر عَلَيْهِ من اللَّبن وَالطَّعَام وَهَذِه كلهَا خرافات مَوْضُوعَة مكذوبة لم يَصح اسنادها قطّ وَذكروا أَيْضا قَول الله عز وَجل عَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب ردوهَا على فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والأعناق} وتأولوا ذَلِك على مَا قد نزه الله عَنهُ من لَهُ أدنى مسكة من عقل

الصفحة 15