كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

بن نجيح الأندلسي يُوَافق الْمُعْتَزلَة فِي الْقدر وَكَانَ يَقُول أَن علم الله وَقدرته صفتان محدثتان مخلوقتان وَأَن لله تَعَالَى علمين أَحدهمَا أحدثه جملَة وَهُوَ علم الْكتاب وَهُوَ علم الْغَيْب كعلمه أَنه سَيكون كفار ومؤمنون وَالْقِيَامَة وَالْجَزَاء وَنَحْو ذَلِك وَالثَّانِي علم الجزئيات وَهُوَ علم الشَّهَادَة وَهُوَ كفر زيد وإيمان عمر وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يعلم الله تَعَالَى من ذَلِك شَيْئا حَتَّى يكون وَذكر قَول الله تَعَالَى {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة}
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا لَيْسَ كَمَا ظن بل على ظَاهره أَنه يعلم مَا تَفْعَلُونَ وَإِن أخفيتم وَيعلم مَا غَابَ عَنْكُم مِمَّا كَانَ أَو يكون أَو هُوَ كَائِن
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَإِنَّمَا حمله على هَذَا القَوْل طرده لأصول الْمُعْتَزلَة حَقًا فَإِن من قَالَ مِنْهُم أَن الله تَعَالَى لم يزل يعلم أَن فلَانا لَا يُؤمن أبدا وَأَن فلَانا لَا يكفر أبدا ثمَّ جعل النَّاس قَادِرين على تَكْذِيب كَلَام رَبهم وعَلى إبِْطَال مَا لم يزل وَهَذَا تنَاقض فَاحش لَا خَفَاء بِهِ ونعوذ بِاللَّه من الخذلان وَكَانَ من أَصْحَابه جمَاعَة يكفرون من قَالَ أَنه عز وَجل لم يزل يعلم كل مَا يكون قبل أَن يكون وَكَانَ من أَصْحَاب مذْهبه رجل يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل ابْن عبد الله الرعيني مُتَأَخّر الْوَقْت وَكَانَ من الْمُجْتَهدين فِي الْعِبَادَة المنقطعين فِي الزّهْد وأدركته إِلَّا أَبى لم ألقه ثمَّ أحدث أقوالاً سَبْعَة فبريء مِنْهُ سَائِر المربة وكفروه إِلَّا من أتبعه مِنْهُم فَمَا أحدث قَوْله أَن الأجساد لَا تبْعَث أبدا وَإِنَّمَا تبْعَث الْأَرْوَاح صَحَّ هَذَا عندنَا عَنهُ وَذكر عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول أَنه حِين موت الْإِنْسَان وفراق روحه لجسده تلقى روحه الْحساب وَيصير إِمَّا إِلَى الْجنَّة أَو إِلَى النَّار وَأَنه كَانَ لَا يقر بِالْبَعْثِ إِلَّا على هَذَا الْوَجْه وَأَنه كَانَ يَقُول أَن الْعَالم لَا يفنى أبدا بل هَكَذَا يكون الْأَمر بِلَا نِهَايَة وحَدثني الْفَقِيه أَبُو أَحْمد المعار فِي الطليطلي صاحبنا أحسن الله ذكره قَالَ أَخْبرنِي يحيى بن أَحْمد الطَّبِيب وَهُوَ ابْن ابْنة إِسْمَاعِيل الرعيني الْمَذْكُور قَالَ أَن جدي كَانَ يَقُول أَن الْعَرْش هُوَ الْمُدبر للْعَالم وَأَن الله تَعَالَى أجل من أَن يُوصف بِفعل شَيْء أصلا وَكَانَ ينْسب هَذَا القَوْل إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله بن مَسَرَّة ويحتج بِأَلْفَاظ فِي كتبه لَيْسَ فِيهَا لعمري دَلِيل على هَذَا القَوْل وَكَانَ يَقُول لسَائِر المرية إِنَّكُم لن تفهموا عَن الشَّيْخ فبرئت مِنْهُ المرية أَيْضا على هَذَا القَوْل وَكَانَ أَحْمد الطَّبِيب صهره مِمَّن بَرِيء مِنْهُ وَتثبت ابْنَته على هَذِه الْأَقْوَال متبعة لأَبِيهَا مُخَالفَة لزَوجهَا وَابْنهَا وَكَانَت متكلمة ناسكة مجتهدة ووافقت أَبَا هَارُون بن إِسْمَاعِيل الرعيني على هَذَا القَوْل فَأنكرهُ وبريء من قَائِله وَكذب ابْن أَخِيه فِيمَا ذكر عَن أَبِيه وَكَانَ مخالفوه من المرية وَكثير من موافقيه ينسبون إِلَيْهِ القَوْل باكتساب النُّبُوَّة وَأَن من بلغ الْغَايَة من الصّلاح وطهارة النَّفس أدْرك النُّبُوَّة وَأَنَّهَا لَيست اختصاصاً أصلا وَقد رَأينَا مِنْهُم من ينْسب هَذَا القَوْل إِلَى ابْن مرّة ويستدل على ذَلِك بِأَلْفَاظ كَثِيرَة فِي كتبه هِيَ لعمري لتشير إِلَى ذَلِك ورأينا سَائِرهمْ يُنكر هَذَا فَالله أعلم وَرَأَيْت أَنا من أَصْحَاب إِسْمَاعِيل الرعيني الْمَذْكُور من يصفه بفهم منطق الطير وَبِأَنَّهُ كَانَ ينذر بأَشْيَاء قبل أَن تكون فَتكون وَأما الَّذِي لَا شكّ فِيهِ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْد فرقته إِمَامًا وَاجِبَة طَاعَته يؤدون إِلَيْهِ زَكَاة أَمْوَالهم وَكَانَ يذهب إِلَى أَن الْحَرَام قد عَم الأَرْض وَأَنه لَا فرق بَين مَا يكتسبه الْمَرْء من صناعَة أَو تِجَارَة أَو مِيرَاث أَو بَين مَا يكتسبه من الرفاق وَإِن الَّذِي يحل للْمُسلمِ من كل ذَلِك قوته كَيفَ مَا أَخذه هَذَا أَمر صَحِيح عندنَا عَنهُ يَقِينا وَأخْبرنَا عَنهُ بعض من عرف بَاطِن أُمُورهم أَنه كَانَ يرى الدَّار دَار كفر مُبَاحَة دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا أَصْحَابه فَقَط وَصَحَّ عندنَا عَنهُ كَانَ يَقُول بِنِكَاح الْمُتْعَة وَهَذَا لَا يقْدَح فِي إيمَانه وَلَا فِي عَدَالَته لَو قَالَه مُجْتَهدا

الصفحة 151