كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَحقا أَقُول لقد طرد أصل الْمُعْتَزلَة الَّذِي أطبقوا عَلَيْهِ من إِخْرَاج الْمَرْء عَن الْإِسْلَام جملَة بذنب وَاحِد عمله يصر عَلَيْهِ وإيجابهم الخلود فِي النَّار عَلَيْهِ بذلك الذَّنب وَحده فَلَو كَانَ هَذَا لَكَانَ أَبُو هَاشم صَادِقا إِذْ لَا مَنْفَعَة لَهُ عِنْدهم فِي تَركه كل ذَنْب وَهُوَ بذنب وَاحِد يصر عَلَيْهِ خَارج عَن الْإِيمَان مخلد بَين أطباق النيرَان وَمَا يُنكر هَذَا عَلَيْهِ من الْمُعْتَزلَة إِلَّا جَاهِل بأصولهم أَو عَامِد للتناقض وَكَانَ يَقُول إِن تَارِك الصَّلَاة وتارك الزَّكَاة عَامِدًا لكل لَك لم يفعل شَيْئا وَلَا أنب وَلَا عصي وَأَنه مخلد بل أطباق النيرَان أبدا على غير فعل فعله وَلَا على شَيْء ارْتَكَبهُ
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فَهَل فِي التجويز لله على أصولهم وَهل فِي مُخَالفَة الْإِسْلَام جهاراً أَكثر من هَذَا القَوْل السخيف وَكَأن الَّذِي حمله على قَوْله هَذَا قَوْله أَنه ترك الْفِعْل لَيْسَ فعلا وَجَمِيع الْمُعْتَزلَة إِلَّا هِشَام بن عمر والفوطي يَزْعمُونَ أَن المعدودات أَشْيَاء على الْحَقِيقَة وَأَنَّهَا لم تزل وَأَنَّهَا لَا نِهَايَة لَهَا
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذِه دهرية بِلَا مطل وَأَشْيَاء لَا نِهَايَة لَهَا لم تزل غير مخلوقة وَكَانَ عبد الرَّحِيم بِمَ مُحَمَّد بن عُثْمَان الْخياط من أكَابِر الْمُعْتَزلَة بِبَغْدَاد مِمَّن يَقُول أَن الْأَجْسَام المعدومة لم تزل أجساماً بِلَا نِهَايَة لَهَا لَا فِي عدد وَلَا فِي زمَان غير مخلوقة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله الإسكافي أحد رُؤَسَاء الْمُعْتَزلَة أَن الله تَعَالَى لم يخلق الطنابير وَلَا المزامير وَلَا المعازف
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) كَانَ من تَمام هَذَا الْكفْر أَن يَقُول إِن الله لم يخلق الْخمر وَلَا الْخَنَازِير وَلَا مَرَدَة الشَّيَاطِين وَقَالَت الْمُعْتَزلَة بأسرها حاشا بشر بن الْمُعْتَمِر وَضِرَار ابْن عمر وَأَنه لَا يحل لأحد تمني الشَّهَادَة وَلَا أَن يريدها وَلَا أَن يرضاها لِأَنَّهَا تَغْلِيب كَافِر على مُسلم وَإِنَّمَا يجب على الْمُسلم أَن يحب الصَّبْر على ألم الْجراح فَقَط إِذا أَصَابَته
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا خلاف دين الْإِسْلَام وَالْقُرْآن وَالسّنَن وَالْإِجْمَاع الْمُتَيَقن وَقَالُوا كلهم حاشا ضَرَرا وبشراً أَن الله لم يمت رَسُولا وَلَا نَبيا وَلَا صَاحب نَبِي وَلَا أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَهُوَ يدْرِي أَنهم لَو عاشوا فعلوا خيرا لَكِن أمات كل من أمات مِنْهُم إِذْ علم أَنه لَو أبقاه طرفَة عين لكفروا أَو فسق وَلَا بُد هَذَا قَوْلهم فِي أبي بكر وَعمر وَعلي وَفَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَائِشَة وَخَدِيجَة نعم وَفِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِم السَّلَام فَأُعْجِبُوا لهَذِهِ الضلالات الوحشية وَكَانَ الْجَعْد وَهُوَ من شيوخهم يَقُول إِذا كَانَ الْجِمَاع يتَوَلَّد مِنْهُ الْوَلَد فَأَنا صانع وَلَدي ومدبره وفاعله لَا فَاعل لَهُ غَيْرِي وَإِنَّمَا يُقَال إِن الله خلقه مجَازًا لَا حَقِيقَة فَأخذ أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الجبائي الطّرف الثَّانِي من الْكفْر فَقَالَ أَن تَعَالَى خلق الْحَبل وَالْمَوْت وكل من فعل شَيْئا فَهُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ فَإِن الله تَعَالَى هُوَ محبل النِّسَاء وَهُوَ أحبل مَرْيَم بنت عمرَان
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) يلْزم وَلَا بُد إِذا كَانَ أَوْلَادنَا خلقا لله عز وَجل أَن يضيفهم إِلَيْهِ فَيَقُول هم أبنا الله والمسيح ابْن الله وَلَا بُد وَقَالَ أَبُو عمر وَأحمد بن مُوسَى بن احدير صَاحب السِّكَّة وَهُوَ من شُيُوخ الْمُعْتَزلَة فِي بعض رسائله الَّتِي جرت بَينه وَبَين القَاضِي مُنْذر بن سعيد رَحمَه الله أَن الله عَاقل وَأطلق عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم وَقَالَ بعض شُيُوخ الْمُعْتَزلَة أَن العَبْد إِذا عصى الله عز وَجل طبع على قلبه فَيصير غير مَأْمُور وَلَا مَنْهِيّ وَأما حماقاتهم فَإِن أَبَا الْهُذيْل العلاف قَالَ

الصفحة 153