كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

أَبيض اللَّوْن ذكر عَنْهُم أَنهم يَقُولُونَ أَنه تَعَالَى لَا يقدر على إِعَادَة الْأَجْسَام بعد بلائها لَكِن يقدر على أَن يخلق مثلهَا وَمن حماقاتهم أَنهم يجيزون كَون إمامين وَأكْثر فِي وَقت وَاحِد وَأما الأشعرية فَقَالُوا إِن شِئْتُم من أظهر الْإِسْلَام لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ بأفحش مَا يكون من الشتم وإعلان التَّكْذِيب بهَا بِاللِّسَانِ بِلَا تقية وَلَا حِكَايَة وَالْإِقْرَار بِأَنَّهُ يدين بذلك لَيْسَ شَيْء من ذَلِك كفرا ثمَّ خَشوا مبادرة جَمِيع أهل الْإِسْلَام لَهُم فَقَالُوا لكنه دَلِيل على أَن فِي قلبه كفر فَقُلْنَا لَهُم وتقطعون بِصِحَّة مَا دلّ عَلَيْهِ هَذَا الدَّلِيل فَقَالُوا لَا وَقَالَت الأشعرية أَن إِبْلِيس قد كفر ثمَّ أعلن بعصيان الله تَعَالَى فِي السُّجُود لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن إِبْلِيس من حِينَئِذٍ لم يعرف أَن الله تَعَالَى حَقًا وَلَا أَنه خلقه من نَار وَلَا أَنه خلق آدم من تُرَاب وطين وَلَا عرف أَن الله أمره بِالسُّجُود لآدَم بعْدهَا قطّ وَلَا عرف بعد هَذَا قطّ أَن الله كرم آدم وَمن قَوْلهم بأجمعهم أَن إِبْلِيس لم يسْأَل الله قطّ أَن ينظره إِلَى يَوْم الْبَعْث فَقُلْنَا لَهُم وَيْلكُمْ إِن هَذَا تَكْذِيب لله عز وَجل وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورد لِلْقُرْآنِ قَالُوا لنا إِن إِبْلِيس إِنَّمَا قَالَ كل ذَلِك هازئاً مستهزئاً بِلَا معرفَة وَلَا اعْتِقَاد كَانَ هَذَا أشنع كفرُوا برده بعد كفر الغالية من الرافضة وَقَالُوا إِن إِبْلِيس لم يكفر بمعصيته الله فِي ترك السُّجُود لآدَم وَلَا بقوله عَن آدم أَنا خير مِنْهُ وَإِنَّمَا كفر بجحد الله تَعَالَى كَانَ فِي قلبه
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) هَذَا خلاف لِلْقُرْآنِ وتكهن لَا يعرف صِحَّته إِلَّا من حَدثهُ بِهِ إِبْلِيس عَن نَفسه على أَن الشَّيْخ غير ثِقَة فِيمَا يحدث بِهِ وَقَالَت الأشعرية أَيْضا أَن فِرْعَوْن لم يعرف قطّ أَن مُوسَى إِنَّمَا جَاءَ بِتِلْكَ الْآيَات من عِنْد الله حَقًا وَأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذين كَانُوا فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعرفوا قطّ أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقًا وَلَا عرفُوا أَنه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَأَن من عرف ذَلِك مِنْهُم وكتمه وَتَمَادَى على إعلان الْكفْر ومحاربة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر وَمن بني قُرَيْظَة وَغَيرهم فَإِنَّهُم كَانُوا مُؤمنين عِنْد الله عز وَجل أَوْلِيَاء لله من أهل الْجنَّة فَقُلْنَا لَهُم وَيْلكُمْ هَذَا تَكْذِيب لله عز وَجل إِذْ يَقُول {يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} {يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} و {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} فَقَالُوا لنا معنى أَنهم وجدوا خطا مَكْتُوبًا عِنْدهم لم يفهموا مَعْنَاهُ وَلَا دروا مَا هُوَ وَنعم عرفُوا صورته فَقَط ودرو أَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب كَمَا يعرف الْإِنْسَان جَاره فَقَط فَكَانَ هَذَا كفرا بَارِدًا أَو تحريفاً لكَلَام الله تَعَالَى عَن موَاضعه ومكابرة سمجة وحماقة ودفعاً للضَّرُورَة وَقد تقصينا الرَّد على أهل هَذِه الْمقَالة الملعونة فِي كتاب لنا رسمه كتاب الْيَقِين فِي النَّقْض على الْمُلْحِدِينَ المحتجين عَن إِبْلِيس اللعين وَسَائِر الْكَافرين تقصيا فِيهِ كَلَام رجل من كبارهم من أهل القيروان اسْمه عطاف بن دوتاس فِي كتاب أَلفه فِي نصر هَذِه الْمقَالة وَكَانَ لشيخهم الْأَشْعَرِيّ فِي إعجاز الْقُرْآن قَولَانِ أَحدهمَا كَمَا يَقُول الْمُسلمُونَ أَنه معجز النّظم وَالْآخر إِنَّمَا هُوَ المعجز الَّذِي لم يُفَارق الله عز وَجل قطّ وَالَّذِي لم يزل غير مَخْلُوق وَلَا نزل إِلَيْنَا وَلَا سمعناه قطّ وَلَا سَمعه جِبْرِيل وَلَا مُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام قطّ وَأما الَّذِي يقْرَأ فِي الْمَصَاحِف ونسمعه فَلَيْسَ معجزا بل مَقْدُور على مثله وَهَذَا كفر صَحِيح وَخلاف لله تَعَالَى وَلِجَمِيعِ أهل الْإِسْلَام وَقَالَ كَبِيرهمْ وَهُوَ مُحَمَّد بن الطّيب الباقلاني أَن لله تَعَالَى خَمْسَة عشر صفة كلهَا قديمَة لم تزل مَعَ الله تَعَالَى وَكلهَا غير الله وَخلاف لله تَعَالَى وكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ غير الْأُخْرَى مِنْهُنَّ وَخلاف لسائرها وَإِن الله تَعَالَى غَيْرهنَّ وخلافهن

الصفحة 156