كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

عَمَّا يُوجب كَونه عَالما قَادِرًا عَن الْقُدْرَة وَالْعلم
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) هَذَا نَص جلي على أَن الله تَعَالَى غير غَنِي عَن شَيْء هُوَ غَيره لِأَن الصِّفَات عِنْدهم هِيَ غَيره تَعَالَى وَالله تَعَالَى عِنْدهم غير غَنِي عَنْهَا تَعَالَى الله وَإِذا لم يكن غَنِيا فَهُوَ فَقير إِلَيْهَا هَكَذَا قَالَت الْيَهُود أَن الله فَقير تَعَالَى الله عَن هَذَا بل هُوَ الْغَنِيّ جملَة عَمَّا سواهُ وكل من دونه فَقير إِلَيْهِ تَعَالَى وَقَالَ السمناني إِن قَالَ قَائِل لم أنكرتم أَن يكون الله مرِيدا لنَفسِهِ حسب مَا قَالَه النجار والجاحظ قيل لَهُ أَنْكَرْنَا ذَلِك لما قدمنَا ذكره من أَن الْوَاحِد من الْخلق مرِيدا بِإِرَادَة وَلَا يَخْلُو أَن يكون حَقِيقَة المريد من لَهُ الْإِرَادَة أَو كَونه مرِيدا أَو جود الْإِرَادَة لَهُ وَأي الْأَمريْنِ كَانَ وَجَبت مُسَاوَاة الْغَائِب الشَّاهِد فِي هَذَا الْبَاب
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا نَص جلي على مُسَاوَاة الله تَعَالَى لخلقه عِنْد هَذَا الْجَاهِل وَهَذَا أعظم فِي الْكفْر من قَول كل مجسم لِأَن جَمِيع المجسمين لم يقدم أحد مِنْهُم قطّ على القَوْل بِأَن الله تَعَالَى مسَاوٍ لخلقه قبل هَذِه الْفرْقَة الملعونة ثمَّ الْعجب قطعهم بِأَن الله عز وَجل غايب غير شَاهد وحاشا لله عَن هَذَا بل هُوَ مَعنا وَهُوَ أقرب إِلَيْنَا من حَبل الوريد كَمَا قَالَ عز وَجل أَنه حَاضر فِي الْعُقُول غير غَائِب وَقَالَ الباقلاني مَا وجد فِي الله تَعَالَى من التسميات فَإِنَّهُ يجوز إِطْلَاقهَا عَلَيْهِ وَإِن لم يسم بذلك نَفسه مَا لم يرد شرع يمْنَع من ذَلِك
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) هَذَا نَص مِنْهُ على أَن هَاهُنَا مَعَاني تُوجد فِي الله تَعَالَى مَعَ الْإِلْحَاد فِي أَسْمَائِهِ إِذْ جَازَ تَسْمِيَته بِمَا لم يسم بِهِ عز وَجل نَفسه تَعَالَى الله عَن هَذَا علوا كَبِيرا وَقَالُوا كلهم إِن الله تَعَالَى لَيْسَ لَهُ إِلَّا كَلَام وَاحِد وَلَيْسَ لَهُ كَلِمَات كَثِيرَة
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) هَذَا كفر مُجَرّد لخلافه الْقُرْآن وَتَكْذيب لله عز وَجل فِي قَوْله {قل لَو كَانَ الْبَحْر مداداً لكلمات رَبِّي لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا} وَإِذ يَقُول تَعَالَى {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر مَا نفدت كَلِمَات الله} مَعَ أَن قَوْلهم لَيْسَ لله تَعَالَى إِلَّا كَلَام وَاحِد قَول أَحمَق لَا يعقل وَلَا يقوم بِهِ برهَان شَرْعِي وَلَا تشكل فِي هاجس وَلَا يُوجِبهُ عقل إِنَّمَا هُوَ هذيان مَحْض وَيُقَال لَهُم لَا يَخْلُو الْقُرْآن عِنْدهم من أَنه كَلَام الله تَعَالَى أَو لَيْسَ هُوَ كَلَام الله تَعَالَى فَإِن قَالُوا لَيْسَ هُوَ كَلَام الله تَعَالَى كفرُوا وَمن قرب وَكفى الله تَعَالَى مؤنتهم وَإِن قَالُوا هُوَ كَلَام الله تَعَالَى فالقرآن مائَة سُورَة وَأَرْبَعَة عشر سُورَة فِيهَا سِتَّة آلَاف آيَة ونيف كل سُورَة مِنْهَا عِنْد أهل الْإِسْلَام غير الْأُخْرَى وكل آيَة غير الْأُخْرَى فَكيف يَقُول هَؤُلَاءِ النوكى أَنه لَيْسَ لله تَعَالَى إِلَّا كَلَام وَاحِد أما هَذَا من الْكفْر الْبَارِد والقحة السمجة ونعوذ بِاللَّه من الضلال وَقَالُوا كلهم إِن الْقُرْآن لم ينزل بِهِ قطّ جِبْرِيل على قلب مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنَّمَا نزل عَلَيْهِ بِشَيْء آخر هُوَ الْعبارَة عَن كَلَام الله وَأَن الْقُرْآن لَيْسَ عندنَا الْبَتَّةَ إِلَّا على هَذَا الْمجَاز وَأَن نرى فِي الْمَصَاحِف ونسمع من الْقُرَّاء ونقرأ فِي الصَّلَاة ونحفظ فِي الصُّدُور لَيْسَ هُوَ الْقُرْآن الْبَتَّةَ وَلَا شَيْء مِنْهُ كَلَام الله الْبَتَّةَ بل شَيْء آخر وَإِن كَلَام الله تَعَالَى لَا يُفَارق ذَات الله عز وَجل
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا من أعظم الْكفْر لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ} وَقَالَ تَعَالَى {نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك} وَقَالَ تَعَالَى {فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} وَقَالَ تَعَالَى {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} وَقَالَ رَسُول الله

الصفحة 159