كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

صلى الله عَلَيْهِ إِنِّي أحب أَن أسمعهُ من غَيْرِي يَعْنِي الْقُرْآن وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مَعَ السفرة الْكِرَام البررة وَنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعد والى إِجْمَاع عَامَّة الْمُسلمين وخاصتهم وجاهلهم وعاملهم على القَوْل حفظ فلَان الْقُرْآن وَقَرَأَ فلَان الْقُرْآن وَكتب فلَان الْقُرْآن فِي الْمُصحف وَسَمعنَا الْقُرْآن من فلَان وَكَلَام الله تَعَالَى مَا فِي الْمُصحف من أول أم الْقُرْآن إِلَى آخر قل أعوذ بِرَبّ النَّاس وَقَالَ السمناني أَيْضا أَن الباقلاني وشيوخه قَالُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أطلق القَوْل بِأَن مَا أنزل الله هُوَ الْقُرْآن وَهُوَ كَلَام الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ على معنى أَنه عبارَة عَن كَلَام الله تَعَالَى وَأَنه يفهم مِنْهُ أمره وَنَهْيه فَقَط
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَيُقَال لَهُم أخبرونا عَن قَوْلكُم أَن الْكتاب هُوَ الْمُصحف وَالْقِرَاءَة المسموعة قي الْمُحَارب كل ذَلِك عبارَة عَن الْقُرْآن مَاذَا تعنون بذلك وَهل هَذَا مِنْكُم إِلَّا تمويه ضَعِيف وَهل كل مَا فِي الْمُصحف إِلَّا عبارَة عَن مُعَاينَة الَّتِي أرادها الله تَعَالَى فِي شرع دينه من الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْإِيمَان وَغير ذَلِك وَأَحْبَارهمْ الْأُمَم السالفة وَصفَة الْجنَّة وَالنَّار والبعث وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يخْتَلف من أهل الْإِسْلَام أحد فِي أَن الْمعبر عَنهُ بذلك الْكَلَام لَيْسَ هُوَ كَلَام الله تَعَالَى أصلا لِأَن ذَات الْجنَّة وَذَات النَّار وحركات الْمُصَلِّي وَعمل الْحَاج وَعمل الصَّائِم وأجسام عَاد وأشخاص ثَمُود لَيْسَ شَيْء من ذَلِك كَلَام الله تَعَالَى وَلَا قُرْآنًا فثيت أَن لَيْسَ هُوَ الْقُرْآن وَلَا هُوَ كَلَام الله إِلَّا الْعبارَة المسموعة فَقَط وَالْكَلَام المقروء والخط الْمَكْتُوب فِي الْمُصحف بِلَا شكّ إِذْ لم يبْق غير ذَلِك أَو الْكفْر وَتَكْذيب الله تَعَالَى وَتَكْذيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَن الْقُرْآن أنزل عَلَيْهِ وأننا نسْمع كَلَام الله فأوهمتم الضُّعَفَاء أَن لذِي هُوَ كَلَام الله وَالْقُرْآن عِنْد جَمِيع أهل الْإِسْلَام لَيْسَ هُوَ هُوَ الْقُرْآن وَلَا هُوَ كَلَام لله ثمَّ أوهمتوهم باستخفافكم أَن حركات المتحركين وَذَات الْجنَّة وَذَات النَّار هِيَ كَلَام الله تَعَالَى وَهِي بِالْقُرْآنِ فَهَل فِي الضلال والسخرية بضعفة الْمُسلمين والهزء بآيَات الله تَعَالَى أَكثر من هَذَا وَلَقَد أَخْبرنِي عَليّ بن حَمْزَة المراوي الصّقليّ الصُّوفِي أَنه بعض الأشعرية يبطح الْمُصحف بِرجلِهِ قَالَ فأكبرت ذَلِك وَقلت لَهُ وَيحك هَكَذَا تصنع بالمصحف وَفِيه كَلَام الله تَعَالَى فَقَالَ لي وَيلك وَبِاللَّهِ مَا فِيهِ إِلَّا السخام والسواد وَأما كَلَام الله بِلَا وَنَحْو هَذَا من القَوْل الَّذِي هَذَا مَعْنَاهُ وَكتب إِلَيّ أَبُو المرحي بن رزوار الْمصْرِيّ أَن بعض ثقاة أهل مصر أخبرهُ من طلاب السّنَن أَن رجلا من الأشعرية قَالَ لَهُ مشافهة على من يَقُول أَن الله قَالَ قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد ألف لعنة
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) بل على من يَقُول أَن الله عز وَجل لم يقلها ألف ألف لعنة نترى وعَلى من يُنكر أننا نسْمع كَلَام الله ونقرأ كَلَام الله ونحفظ كَلَام لله ونكتب كَلَام الله ألف ألف لعنة نترى من الله تَعَالَى فَإِن قَول هَذِه الْفرْقَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة نِهَايَة الْكفْر بِاللَّه عز وَجل وَمُخَالفَة لِلْقُرْآنِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمُخَالفَة جَمِيع أهل الْإِسْلَام قبل حُدُوث هَذِه الطَّائِفَة الملعونة
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَقَالَت الأشعرية كلهَا أَن الله لم يزل قَائِلا لكل مَا خلق أَو يخلق فِي المستأنف كن إِلَّا أَن الْأَشْيَاء لم تكن إِلَّا حِين كَونهَا وَهَذَا تَكْذِيب مِنْهُم مَكْشُوف لله عز وَجل إِذْ يَقُول {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} فَبين الله تَعَالَى أَنه لَا يَقُول للشَّيْء كن إِلَّا إِذا أَرَادَ تكوينه وَأَنه إِذا قَالَ لَهُ كن كَانَ الشَّيْء فِي الْوَقْت بِلَا مهلة لِأَن هَذَا هُوَ مُقْتَضى الْفَاء فِي لُغَة الْعَرَب الَّتِي بهَا نزل الْقُرْآن فَجمعُوا إِلَى تَكْذِيب الله عز وَجل فِي

الصفحة 160