كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

خبريه جَمِيعًا إِيجَاب أزلية الْعَالم لِأَن الله تَعَالَى إِذا كَانَ لم يزل قَائِلا لما يكون كن فَإِن التكوين لم يزل وَهَذِه دهرية مَحْضَة ثمَّ قَالَ السمناني بعد أسطر لِأَنَّهُ لَو وَجب وجود مَا وجد فِي الْوَقْت الَّذِي وجد فِيهِ لأجل قَول الله تَعَالَى كن لوَجَبَ أَن يُوجد لأجل قَول غَيره لَهُ كن لِأَن صفة الِاقْتِضَاء لَا تخْتَلف فِي ذَلِك بَين الْقَدِيم والمحدث
قَالَ أَبُو مُحَمَّد هَذَا نَص كَلَام هَذَا الْفَاسِق الملحد حرفا حرفا وَهَذَا كفر مَحْض وحماقة لإخفاء بهَا أما الْكفْر فإبطاله أَن وجود الْأَشْيَاء فِي الْأَوْقَات الَّتِي وجدت فِيهَا إِنَّمَا وجدت لأجل قَول الله تَعَالَى لَهَا كن وإيجابه أَن الْأَشْيَاء لم تُوجد فِي أحيان وجودهَا لقَوْل الله تَعَالَى لَهَا كن وَهَذَا تَكْذِيب لله تَعَالَى صرف وَخُرُوج عَن إِجْمَاع أهل الْإِسْلَام وكل من يُصَلِّي إِلَى الْقبْلَة قبلهم وَمن الْكفْر الصَّرِيح أَيْضا فِي هَذَا الْكَلَام الملعون قَوْله أَن صفة الِاقْتِضَاء فِي ذَلِك لَا تخْتَلف بَين الْقَدِيم والمحدث فسوى بَين الله تَعَالَى وخلقه وَأما الحماقة فَقَوله لَو وجدت الْأَشْيَاء من أجل قَول الله تَعَالَى لَهَا كن لوَجَبَ أَن يُوجد لأجل قَول غَيره لَهَا كن فيا للْمُسلمين هَل سمع فِي الْحمق والرعونة وَقلة الْحيَاء أَكثر من قَول من سوى بَين قَول الله تَعَالَى كن للشَّيْء إِذْ أَرَادَ تكوينه وَبَين قَول غَيره من النَّاس كن وَهَذَا أَخبث من قَول الدهرية ونعوذ بِاللَّه من الضلال فلولا الخذلان مَا انْطلق بِهَذَا النوك لِسَان من لَا يقذف بِالْحِجَارَةِ فِي الشوارع وَمَا شبهت بِهَذَا الْكَلَام إِلَّا كَلَام النذل أبي هَاشم الجبائي لَو لم يجز لنا أَن نسمي الله تَعَالَى باسم حَتَّى يَأْذَن لنا فِي ذَلِك لوَجَبَ أَن لَا يجوز لله أَن يُسَمِّي نَفسه حَتَّى يَأْذَن لَهُ غَيره فِي ذَلِك
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه أَقْوَال لَو قَالَهَا صبيان يسيل مخاطبهم لأيس من فلاحهم وتالله لقد لعب الشَّيْطَان بهم كَمَا شَاءَ فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَقَالَت الأشعرية كلهَا أَن الله لَا يقدر على ظلم أحد الْبَتَّةَ وَلَا يقدر على الْكَذِب وَلَا على قَول أَن الْمَسِيح ابْن الله حَتَّى يَقُول قبل ذَلِك وَقَالَت النَّصَارَى وَأَنه لَا يقدر على أَن يَقُول عُزَيْر ابْن الله حَتَّى يَقُول قبل ذَلِك وَقَالَت الْيَهُود وَأَنه لَا يقدر على أَن يتَّخذ ولد أَو أَنه لَا يقدر الْبَتَّةَ على إِظْهَار معْجزَة على يَدي كَذَّاب يَدعِي النُّبُوَّة فَإِن ادّعى الإلهية كَانَ الله تَعَالَى قَادِرًا على إِظْهَار المعجزات على يَدَيْهِ وَأَنه تَعَالَى لَا يقدر على شَيْء من الْمحَال وَلَا على إِحَالَة الْأُمُور عَن حقائقها وَلَا على قلب الْأَجْنَاس عَن ماهيتها وَأَنه تَعَالَى لَا يقدر الْبَتَّةَ على أَن يقسم الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ وَلَا على أَن يَدْعُو أحدا إِلَى غبر التَّوْحِيد هَذَا نَص كَلَامهم وَحَقِيقَة معتقدهم فجعلوه تَعَالَى عَاجِزا متناهي الْقُوَّة مَحْدُود الْقُدْرَة يقدر مرّة وَلَا يقدر أُخْرَى يقدر على شَيْء وَلَا يقدر على آخر وَهَذِه صفة النَّقْص وهم مَعَ هَذَا يَقُولُونَ أَن السَّاحر يقدر على قلب الْأَعْيَان وعَلى أَن يمسخ إنْسَانا فَيَجْعَلهُ حمارا على الْحَقِيقَة وعَلى الْمَشْي فِي الْهَوَاء وعَلى المَاء فَكَانَ السَّاحر عِنْدهم أقوى من الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وخشوا مبادرة أهل الْإِسْلَام لَهُم بالاصطلام فخنسوا عَن أَن يصرحوا بِأَن الله تَعَالَى لَا يقدر فَقَالُوا لَا يُوصف الله بِالْقُدْرَةِ على شَيْء مِمَّا ذكرنَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَا رَاحَة لَهُم فِي هَذَا لأننا نقُول لَهُم وَلم لَا نصفه بِالْقُدْرَةِ على ذَلِك إِلَّا أَنه يقدر على شَيْء من ذَلِك وَلَا لَهُ قدرَة على كل ذَلِك أم لِأَنَّهُ لَا يقدر على كل ذَلِك وَلَا لَهُ قدرَة على شَيْء من ذَلِك وَلَا بُد من أَحدهمَا بضرورة الْعقل وَهنا ضلت جبلتهم الضعيفة وَلَا بُد لَهُم من الْقطع بِأَنَّهُ لَا يقدر وَبِأَنَّهُ لَا قدرَة لَهُ على ذَلِك وَإِذ قد صَرَّحُوا بِهَذَا بِالضَّرُورَةِ

الصفحة 161