كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)

فَأخْبر تَعَالَى أَنه يمْسِكهَا كَمَا شَاءَ دون تكلّف مَا لم يخبرنا الله تَعَالَى بِهِ وَلَا جعل فِي الْعُقُول دَلِيلا عَلَيْهِ وَلَو أَن قَائِل هَذَا الْحمق وقف على الْحق وطالع شَيْئا من براهين الْهَيْئَة لحجل مِمَّا أَتَى بِهِ من الهوس وَمن شنعهم قَول هَذَا الباقلاني فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بالانتصار فِي الْقُرْآن إِن تَقْسِيم آيَات الْقُرْآن وترتيب مَوَاضِع سوره شَيْء فعله النَّاس وَلَيْسَ هُوَ من عِنْد الله وَلَا من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فقد كذب هَذَا الْجَاهِل وأفك أتراه مَا سمع قَول الله تَعَالَى {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} وَقَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آيَة الْكُرْسِيّ وَآيَة الْكَلَالَة وَالْخَبَر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْمر إِذا نزلت الْآيَة أَن تجْعَل فِي سُورَة كَذَا وَمَوْضِع كَذَا وَلَو أَن النَّاس رتبوا سوره لما تعدوا أحد وُجُوه ثَلَاثَة إِمَّا أَن يرتبوها على الأول فَالْأول نزولاً أَو الأطول فَمَا دونه أَو الأقصر فَمَا فَوْقه فَإذْ لَيْسَ ذَلِك كَذَلِك فقد صَحَّ أَنه أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي لَا يُعَارض عَن الله عز وَجل لَا يجوز غير ذَلِك أصلا وَمن شنعهم قَول الباقلاني فِي كِتَابه فِي مَذَاهِب القرامطة قرب آخر الْكتاب فِي بَاب تَرْجَمته ذكر جمل مقالات الدهرية والفلاسفة والثنوية قَالَ الباقلاني فَأَما مَا يَسْتَحِيل بَقَاؤُهُ من أَجنَاس الْحَوَادِث وَهِي الْأَعْرَاض فَإِنَّمَا يجب عدمهَا فِي الثَّانِي من حَال حدوثها من غير معدم وَلَا شَيْء يفنيها هَذَا نَص كَلَامه وَقَالَ مُتَّصِلا بِهَذَا الْفَصْل وَأما نَحن فَنَقُول أَنَّهَا تفني الْجَوَاهِر نعني بِقطع الأكوان عَنْهَا من حَيْثُ لَا يَصح لَهَا وجود لَا فِي مَكَان وَلَا فِيمَا يقدر تَقْدِير الْمَكَان وَإِذا لم يلْحق فِيهَا شَيْء من الأكوان فَعدم مَا كَانَ يخلق فِيهَا مِنْهَا أوجب عدمهَا هَذَا نَص كَلَامه وَهَذَا قَول بإفناء الْجَوَاهِر والأعراض وَهُوَ فنَاء وإعدام لَا فَاعل لَهما وَإِن الله تَعَالَى لم يفنى الفاني ونعوذ بِاللَّه من الضلال والحاد الْمَحْض وَقَالُوا بأجمعهم لَيْسَ لله تَعَالَى على الْكفَّار نعْمَة دينية أصلا وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ شيخهم ولاله على الْكفَّار نعْمَة دنيوية أصلا وَهَذَا تَكْذِيب مِنْهُ وَمن أَتْبَاعه الضلال لله عز وَجل إِذْ يَقُول {بدلُوا نعْمَة الله كفرا وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار جَهَنَّم يصلونها وَبئسَ الْقَرار} وَإِذ يَقُول عز وَجل {يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وَإِنِّي فضلتكم على الْعَالمين} وَإِنَّمَا خَاطب تَعَالَى بِهَذَا كفَّارًا جَحَدُوا نعْمَة الله تَعَالَى تبكيتاً لَهُم وَأما الدُّنْيَوِيَّة فكثير قَالَ تَعَالَى {قتل الْإِنْسَان مَا أكفره من أَي شَيْء خلقه من نُطْفَة خلقه فقدره ثمَّ السَّبِيل يسره} إِلَى قَوْله {فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه} الْآيَة وَمثله من الْقُرْآن كثير وَقَالَ الباقلاني فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بالانتصار فِي الْقُرْآن فِي بَاب مترجم بِبَاب الدّلَالَة على أَن الْقُرْآن معجز للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكروا سُؤال الْمُلْحِدِينَ عَن الدَّلِيل على صِحَة مَا ادَّعَاهُ الْمُسلمُونَ من أَن الْقُرْآن معجز فَقَالَ الباقلاني يُقَال لَهُم مَا معنى وصف الْقُرْآن وَغَيره من آيَات الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ معجز فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه مِمَّا لَا يقدر الْعباد عَلَيْهِ وَأَن يَكُونُوا عاجزين على الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا وصف الْقُرْآن وَغَيره من آيَات الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كعصى مُوسَى وَخُرُوج النَّاقة من الصَّخْرَة وإبراء الأكمة والأبرص وإحياء الْمَوْتَى بِأَنَّهُ معجز وَإِن لم يتَعَلَّق بِهِ عجز عَاجز عَنهُ على وَجه التَّسْمِيَة بِمَا يعجز عَنهُ الْعَاجِز من الْأُمُور الَّتِي صَحَّ عجزهم عَنْهَا وقدرتهم عَلَيْهَا لأَنهم لم يقدروا على معارضات آيَات الرُّسُل غير عَن عدم قدرتهم على ذَلِك فالعجز عَنهُ تَشْبِيها لَهُ بالمعجوز عَنهُ قَالَ الباقلاني وَمِمَّا يدل على أَن الْعَرَب لَا

الصفحة 167