كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (اسم الجزء: 4)
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام تاول وعد الله تَعَالَى أَن يخلصه وَأَهله فَظن أَن ابْنه من أَهله على ظَاهر الْقَرَابَة وَهَذَا لَو فعله أحد لَكَانَ مأجوراً وَلم يسْأَل نوح تَخْلِيص من أَيقَن أَنه لَيْسَ من أَهله فتفرع على ذَلِك نهى عَن أَن يكون من الْجَاهِلين فتندم عَلَيْهِ السَّلَام من ذَلِك وَنزع وَلَيْسَ هَا هُنَا عمد للمعصية الْبَتَّةَ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْكَلَام فِي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذكرُوا مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كذب ثَلَاث كذبات وَأَنه قَالَ إِذْ نظر فِي النُّجُوم أَنِّي سقيم وَبِقَوْلِهِ فِي الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَهَذَا رَبِّي بقوله فِي سارة هَذِه أُخْتِي وَبِقَوْلِهِ فِي الْأَصْنَام إِذْ كسرهَا بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا وبطلبه إِذْ طلب رُؤْيَة إحْيَاء الْمَوْتَى قَالَ أولم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا كُله لَيْسَ على مَا ظنوه بل هوحجة لنا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين أما الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كذب ثَلَاث كذبات فَلَيْسَ كل كذب مَعْصِيّة بل مِنْهُ مَا يكون طَاعَة لله عز وَجل وفرضاً وَاجِبا يعْصى من تَركه صَحَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ الْكذَّاب الَّذِي يصلح بَين النَّاس فينمي خيرا وَقد أَبَاحَ عَلَيْهِ السَّلَام كذب الرجل لامْرَأَته فِيمَا يستجلب بِهِ مودتها وَكَذَلِكَ الْكَذِب فِي الْحَرْب وَقد أجمع أهل الْإِسْلَام على أَن إنْسَانا لَو سمع مَظْلُوما قد ظلمه سُلْطَان وَطَلَبه ليَقْتُلهُ بِغَيْر حق وَيَأْخُذ مَاله غصبا فاستتر عِنْده وسَمعه يَدْعُو على من ظلمه قَاصِدا بذلك السُّلْطَان بذلك السَّامع عَمَّا سَمعه مِنْهُ وَعَن مَوْضِعه فَإِنَّهُ إِن كتم مَا سمع وَأنكر أَن يكون سَمعه أَو أَنه يعرف مَوْضِعه أَو مَوضِع مَاله فَإِنَّهُ محسن مأجور مُطِيع لله عز وَجل وَأَنه أَن صدقه فَأخْبرهُ بِمَا سَمعه مِنْهُ وبموضعه وَمَوْضِع مَاله كَانَ فَاسِقًا عَاصِيا لله عز وَجل فَاعل كَبِيرَة مذموما تَمامًا وَقد ابيح الْكَذِب فِي إِظْهَار الْكفْر فِي التقية وكل مَا روى عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي تِلْكَ الكذبات فَهُوَ دَاخل فِي الصّفة المحمودة لَا فِي الْكَذِب الَّذِي نهى عَنهُ وَأما عَن قَوْله عَن سارة هِيَ أُخْتِي فَصدق هِيَ أُخْته من وَجْهَيْن قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أخوة} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يخْطب أحدكُم على خطْبَة أَخِيه وَالْوَجْه الثَّانِي الْقَرَابَة وَإِنَّهَا من قومه وَمن مستجيبيه قَالَ عز وَجل وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيباً فَمن عد هَذَا كذبا مذموماً من إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فليسعده كذبا من ربه عز وَجل وَهَذَا كفر مُجَرّد فصح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَادِق فِي قَوْله سارة أُخْته وَأما قَوْله فَنظر نظرة فِي النُّجُوم فَقَالَ إِنِّي سقيم فَلَيْسَ هَذَا كذبا ولسنا ننكر أَن تكون النُّجُوم دَلَائِل على الصِّحَّة وَالْمَرَض وَبَعض مَا يحدث فِي الْعَالم كدلالة الْبَرْق على نعول الْبَحْر وكدلالة الرَّعْد على تولد الكمأة وكتولد الْمَدّ والجزر على طُلُوع الْقَمَر وغروبه وأعذار وارتفاعه وامتلائه ونقصه وَإِنَّمَا الْمُنكر قَول من قَالَ أَن الْكَوَاكِب هِيَ الفاعلة الْمُدبرَة لذَلِك دون الله تَعَالَى أَو مُشْتَركَة مَعَه فَهَذَا كفر من قَائِله وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا فَإِنَّمَا هُوَ تقريع لَهُم وتوبيخ كَمَا قَالَ تَعَالَى {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مهان ذليل معذب فِي النَّار فكلا الْقَوْلَيْنِ توبيخ لمن قيلا لَهُ على ظنهم أَن الْأَصْنَام تفعل الْخَيْر وَالشَّر وعَلى ظن المعذب فِي نَفسه فِي الدُّنْيَا إِنَّه عَزِيز كريم وَلم يقل إِبْرَاهِيم هَذَا على أَنه مُحَقّق لِأَن كَبِيرهمْ فعله إِذا كذب إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَار عَن الشَّيْء بِخِلَاف مَا هُوَ عَلَيْهِ قصد إِلَى تَحْقِيق ذَلِك وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ رأى الشَّمْس وَالْقَمَر هَذَا رَبِّي فَقَالَ قوم إِن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
الصفحة 5
172