كتاب أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين دراسة وترجيح

كل دعوى ترفع، مع التسليم التام بكل ما تصدره من الأحكام، فقال تعالى:
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬١).
وحث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته على التمسك بِها ولزومها بقوله: "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بِها وعضوا عليها بالنواجذ" (¬٢).
هذه المكانة الكبرى والمزية العظمى للسنة جعلت السلف -من الصحابة والتابعين ومن بعدهم- يعتنون بِها أشد العناية؛ فحفظوها وفهموها ونشروها بين الناس؛ وحثوهم على التمسك بِها، واعتقاد ما جاء فيها، والالتزام بأوامرها ونواهيها، والتحلى بآدابها وأخلاقها.
وجعلوا المعول عليه في عقيدتِهم ما صح منها مع كتاب الله تعالى ولم يجعلوا معولهم على العقل المجرد كما هو حال أهل الكلام.
- ولما أُدخل في السنة ما ليس منها انتدب أهلُ العلم والحديث أنفسهم للذود عن حياضها وتمييز صحيحها من سقيمها؛ فتكلموا في الرجال بالجرح والتعديل، وأعلنوا أن الإسناد من الدين، وألفوا الكتب والمصنفات في بيان الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة، كل هذا حفاظًا على هذه السنة التي هي الوحى الثاني بعد القرآن، كما قال تعالى:
---------------
(¬١) سورة النساء. آية (٦٥).
(¬٢) أخرجه من حديث العرباض بن سارية أبو داود (عون ١٢/ ٢٣٤) ح (٤٥٩٤) والترمذى (تحفة ٧/ ٤٣٨) ح (٢٨١٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (١/ ١٥) ح (٤٢) وأحمد في مسنده (٥/ ١٠٩) ح (١٦٦٩٢) وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (٣/ ٨٧١) ح (٣٨٥١).

الصفحة 6