كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

فاثر هذا الكلام فيه وتأمل ما تضمنته فحاويه ثم أراد أن يجرب ملازميه ومن بر وجه جسده يفديه فقال يوماً من الأيام وقد اجتمعوا على منادمه المدام اتفق أمر عجيب وشأن غريب وهو أنه كان عندنا هاون في زاوية مخزون زنته ربع قنطار أتى البارحة عليه الفار فقرضه وأكله وعمه بالأكل وشمله فلم يدرك من ذلك النحاس في مكانه من برادة أضراسه وأسنانه فترشفت ثغور آذانهم منطقة واستحلى كؤسها كل منهم وصدقه وقالوا هذا وقع بغير شك لأن الهاون كان فيه ودك والفار أسنانه باضعه وأضراسه لجن حرافيش بغداد قاطعه فلما رأى أنهم وافقوه وصوبوا كلامه وصدقوه ازدادت فيهم محبته وقويت إليهم رغبته حيث رفعوا رتبه وستروا في جيب عيبه وحققوا محالة وصدقوا مقاله فأسرع إلى أمه مسروراً فرحاً محبور منشرحاً وقال يا أماه انظري كلام أصحابي وأخبري مقام أحبابي ذكرت لهم كلاماً باطلاً ومن حلية الصدق والإمكان عاطلاً فحققوا بلا مريه واثبتوا حقيقته من غير فريه وصاغوا من جواهر التوجيه أبهى حلية وذكر ما جرى لهم وله من الجنون والخباط والوله فقالت أمه يا ولدي ومهجة كبدي هذا أمر يضحك منه الجاهل ويبكي على حالك الحالك منه العاقلكما قيل:
أمور تضحك السفهاء منها ... ويخشى من عواقبها اللبيب

الصفحة 119