كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

أعلم أيها الداهل الغافل أنك لست من أصحابك على طائل وهؤلاء أعداء في صورة أو داء وهم في التمثيل كما قيل:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
وتيقن أن هؤلاء في النعمة خداعون وفي النقمة لذاعون وأنت شاب غرير وبأعقاب الأمور لست ببصير لا مارست الخلق ولا فرقت بين الصادق من ذوي الملق لأخبرتهم ولأسبرتهم ولا دخلت مداخلهم ولا ميرت خارجهم وداخلهم إن الصادق والرفيق الفائق من بصرك عيوبك وغفر لك بعد نصيحتك ذنوبك وأطلعك على حقائق الأشياء ونهيك على ما خفي من أمور الدنيا وأرشدك إلى ما يزينك ويصلح به دنياك وأبكاك إذا نصحك لا من أضحك وفضحك وأما الذي يدلس ويلبس ويوسوس ويهوس وبروج الباطل وبحلى العاطل فذاك بصديق على التحقيق وإنما هو عدو فلا يكن لك معه قرار ولا هدو فلم يلتفت الشاب إلى هذا الخطاب حيث كان مصادماً لغرضه غير شاف لعلته ومرضه وقال صديق من نطق وفاه بالكلام الحق من قال إفشاء السر إلى النساء فعل الأحمق ثم تركها ترغوا واستمر هو مع أقرانه بلهو وداوم على تلك الحال حتى إذا دنت لنفادها الأموال وبيع الرخيص والغال فما استفاق من سكرته واستيقظ من رقدته إلا والأموال قد ذهبت والديون قد ركبت وهو ينشد وإلى مذهبه يرشد:
ليذهبوا في ملامي أينما ذهبوا ... في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب

الصفحة 120