كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

إلى أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ونفقت البيضاء والصفراء في الحمراء والخضراء وأصبح ملقى على الأرض السوداء وأتعس من فوق الغبراء وأفلس من تحت الزرقاء وتراجع عنه الأصحاب وعاداه الأصدقاء والأحباب ورجعوا عنه بعدما سئموا منه صار ناديه ينادي:
كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وصارت محبتهم له تكلفاً ورؤيتهم إياه تعسفاً فاتفق له في بعض الأيام أن قال في أثناء الكلام لذلك الجمع بعينه الذين كانوا أجمعوا على صدق منيه الفار الغدار أكل لنا في الدار البارحة رغيفاً كاملاً فاتى على أكله شاملاً فما أبقى منه لبابه ولا غادر من غدير وجوده صبابة فتنادوا للحال بالمحال والكذب في الأقوال الفار الضعيف كيف يأكل كل الرغيف وهو عاجز نحيف وتناولوه بالطعن وتناوشوه بالسنة السب واللعن وزيغوا أقواله وسفهوا أفعاله وإنما ذكرت هذا الكلام يا أيمن غلام وأحسن من البدر التمام لتعلم أن أكثر من يدعي صدق الصحابة من ذوي المعارف والقرابة إنما دعواه كذابة كسحاب صيف لا يديم انسكابه وأن الشخص مع الناس الأوغاد والأكياس بمنزلة الفقاع أن رأوا فيه حلاوة الانتفاع استلموه

الصفحة 121