كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

وأعلم أن أعدى عدوك بين جنبيك وهي نفسك التي قط ما ركنت إليك فاعص هواها ولا تعطها مناها فإن في اتباعها الندم عاجلا والحسرة آجلا لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع ولا تظن أنها إذا أعطيت مناها شكرت أو إذا ذكرتها من برأها ذكرت بل متى أمنتها كفرت أو آنستها نفرت أو أرخيت عنانها بطرت وأشرت وإن نالت مطلبا أو تناولت مأربا انتقلت عنه وطلبت أعلى منه فليس لها دوا إلا القمع عن دواعي الهوى كما قيل:
النفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
وكما قيل أيضا:
وما النفس إلا حيث يكعلها الفتى ... فإن أهملت تاقت وإلا تسلت
وكما قيل أيضا:
قنع النفس بالقليل وإلا ... طلبت منك فوق ما يرضيها
وإياك وطول الأمل فإنه مفسدة للعلم والعمل قال الحكماء وعقلاء العلماء الأمل شبكة الشيطان وموجب الحرمان فاجهد ما دام لك على النفس ملكه أن تخلص نفسك من هذه الشبكة ولا تهتم للأوقات فكل ما قسم ما فيه فوات وكل ما هو آت آت وكل ما رقمه القلم في القدم وأثبته قضاء الله تعالى عليك وأنت في العدم سواء كان خيرا أم شرا نفعا أم ضرا فأنت ملاقيه وعلى كل حال موافيه فاقطع دواعي الطمع عمن لا يضر ولا ينفع لا عمن إن شاء نفع. ولا تجتمع إلا بمثلك في الجماعات والجمع ولا تتعب لجوع وعرى واكتساء

الصفحة 140